ضم الأندلس إلى المغرب
عبر يوسف بن تاشفين المضيق للمرة الثالثة في عام 483هـ= 1090م دون طلب استغاثة، فسار مباشرة إلى طليطلة مجتاحًا أراضي قشتالة، لكنه فشل في اقتحامها، ولم يتقدم أحد من الزعماء الأندلسيين لمساعدته، ثم اتجه إلى غرناطة وبها الأمير عبد الله بن بلكين بن باديس بن زيري الصنهاجي، فدخلها بعد حصار، وضم مالقة، وقاومه المعتمد بن عباد، وترك ابن تاشفين القيادة لبعض قواده الذين استطاعوا الاستيلاء على الكثير من الأراضي الأندلسية.
وجد المعتمد بن عباد نفسه وحيدًا في مواجهة المرابطين مما جعله يستنجد بألفونسو السادس، لكن المساعدة العسكرية التي دفع بها إلى ميدان القتال لقيت هزيمة قاسية في معركة جرت على مقربة من حصن المدور، بعد ذلك بفترة وجيزة تمكن المرابطين من دخول المدينة في 22من رجب 484هـ= سبتمبر 1091م
ولم يكن من الصعب بعد سقوط إشبيلية التي كانت أقوى دول الطوائف أن يضم المرابطون باقي أجزاء الأندلس، ولم ينجح بالاحتفاظ باستقلاله سوى المستعين أحمد بن هود صاحب سرقسطة، والذي كانت إمارته بمثابة شوكة في خاصرة النصارى الشماليين، ويبدو أن يوسف بن تاشفين أدرك مدى أهميتها العسكرية كخط دفاع أول أمام النصارى، وفي تكوين جبهة قوية للوقوف في وجههم، لذلك بقيت سرقسطة الإمارة الوحيدة التي لم يضمها المرابطون، وعبر يوسف بن تاشفين في عام 496هـ= 1102م إلى الأندلس لتنظيم شؤونها الإدارية، وأضحى هذان البلدان المغرب والأندلس يشكلان دوله واحدة عاصمتها مدينة مراكش التي بناها يوسف بن تاشفين
وقد تُوُفي يوسف بن تاشفين في شهر محرم عام 500هـ = سبتمبر 1106م تاركًا لابنه أبي الحسن علي أقوى دولة عرفها الغرب الإسلامي حتى ذلك الحين
علي بن يوسف بن تاشفين:
خلف يوسف ابنه علي وكان في الخامسة والثلاثين من عمره، وكان قد تدرب على شئون الحكم والحرب وسياسة الدولة في أيام أبيه، ولهذا فقد سار بأمور دولته سيرًا حثيثًا إلى الأمام، وسجل اسمه بين عظماء تاريخ المغرب الإسلامي، وكان إلى جانب ذلك شديد التدين حريصًا على الجهاد، منصرفًا إلى الدراسة ومجالسة الفقهاء
واهتم علي بن يوسف بالدفاع عن بلاده وتصدى بشجاعة كبيرة لمحاربة النصارى في الأندلس، فأرسل خيرة رجاله وقواده إلى القتال واستشهد كثيرون منهم في ميدان القتال، وإذا كان أبوه قد كسب موقعة الزلاقة فقد كسب هو معارك اقيش 501هـ= 1116م وافراغة 528هـ = 1134م وفي هذه المعركة الأخيرة لقي ألفونسو المحارب ملك أرغون مصرعه بعد أن طال حكمه وكثر أذاه للمسلمين
وبينما كان علي بن يوسف يواصل جهوده في المغرب والأندلس بدأ محمد بن تومرت المعروف بمهدي الموحدين دعايته ضد المرابطين واجتهد في تشويه سمعتهم واتهامهم بالمروق عن الدين والتجسيم وما إلى ذلك، وقد نجحت دعايته لأنه توجه بها إلى فريق من البرانس كانوا يتشوقون بدورهم إلى إنشاء دولة تضاهي ما وصلت إليه قبائل لمتونه ومسوفة وجدالة وغيرها من المجموعة الصنهاجية الصحراوية المرابطية
توفى علي بن يوسف سنة 533هـ= 1138م فانتهت بوفاته فترة طويلة من الرخاء واستقرار الأحوال في الأندلس والمغرب، وكان قد تلقب مثل أبيه بلقب أمير المسلمين[7].
دولة الموحدين ( 539- 620هـ )
محمد بن تومرت:
من قبيلة مصمودة البربرية، ولكنه كان في الأصل من أحفاد العلويين الأدارسة الذين اندمجوا في البربر بعد سقوط دولتهم، فهو عربي الأصل، بربري النشأة، خرج طالبًا للعلم وتأثر بآراء بن حزم، ورحل إلى المشرق فلقي في بغداد أبا بكر الشاشي وأخذ عليه شيئًا من أًول الفقه وسمع الحديث على المبارك بن عبد الجبار، ثم عاد فمرَّ بالإسكندرية فحضر مجالس أبي بكر الطرطوشي، ثم ذهب إلى بلاد المغرب ومنها إلى أغمات، ولحق بالجبل وبدأ في دعوته
أسس عبد الله محمد بن تومرت دعوته على أساس ديني قوامه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أساس قبلي وهو الصراع بين القبائل البربرية، قبيلة لمتونة (المرابطين)، وقبيلة هرغة من مصمودة (الموحدين)، واتخذ محمد بن تومرت حصن (تينملل) مقرًا له ولدعوته.
أما المرحلة الثانية لدولة الموحدين فكانت بقيادة عبد المؤمن بن علي 524- 543هـ والتي توجت بسقوط دولة المرابطين وقيام دولة الموحدين
عبد المؤمن بن علي:
هو عبد المؤمن بن علي، سلطان المغرب، لقب بأمير المؤمنين، ذكر ابن العماد في شذرات الذهب أنه كان ملكًا عادلاً، سائسًا، عظيم الهيبة، عالي الهمة، متين الديانة، كثير المحاسن، قليل المِثل، وكان يقرأ كل يوم سُبُعًا من القرآن العظيم، ويجتنب لبس الحرير وكان يصوم الاثنين والخميس، ويهتم بالجهاد والنظر في الْمُلْك كأنما خُلق له، ولكنه كان سفّاكا لدماء من خالفه
وذلك أمر غريب أن يجتمع التدين الظاهري مع سفك الدماء، ولكن هذه الدولة – دولة الموحدين – كانت دولة فاسدة العقيدة منذ مؤسسها ابن تومرت، ولم يصلح منها، ويسير على منهج الإسلام إلا أبا يعقوب يوسف المنصور بن عبد المؤمن هذا.
عاد مسلمو الأندلس يطلبون النجدة من الموحدين في شمال إفريقية كما طلبوها من قبل من المرابطين، فأرسل عبد المؤمن جيشًا سنة 539هـ فدخل الأندلس ولم يمض أكثر من خمس سنوات حتى صارت جميع بلاد المسلمين في الأندلس في يد الموحدين، ولكن الموحدين لم يفكروا في أن يجعلوا من الأندلس قاعدة لملكهم، بل أرسلوا نوابًا عنهم يحكمونها باسمهم، وبقيت قاعدة ملكهم مراكش
تُوُفي الخليفة عبد المؤمن في 20من جُمَادى الآخرة 558هـ= 25مايو 1163م، وخَلَفَه ابنه أبو يعقوب يوسف.
أبو يعقوب يوسف المنصور:
يقول فيه يقول فيه ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان "وهو الذي أظهر أبهة ملكهم ورفع راية الجهاد ونصب ميزان العدل وبسط أحكام الناس على حقيقة الشرع ونظر في أمور الدين والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقام الحدود حتى في أهله وعشيرته الأقربين كما أقامها في سائر الناس أجمعين، فاستقامت الأحوال في أيامه وعظمت الفتوحات"
موقعة الأرك 591هـ
الأرك حصن على بعد عشرين كيلو مترًا إلى الشمال الغربي من قلعة رباح، على أحد فروع نهر وادي آنة، وهي نقطة الحدود بين قشتالة والأندلس، في حين تجهَّز ألفونسو الثامن ملك قشتالة للقاء الجيش الإسلامي وطلب العون من ملكي ليون وونبارة.
ونظم أبو يوسف يعقوب المنصور جيشه، ودارت المعركة وانتهى يوم الأرك بهزيمة النصارى على نحو مروع، وسقط منهم في القتال ثلاثون ألف قتيل، وغنم المسلمون معسكر الإسبان بجميع ما فيه من المتاع والمال، واقتحموا عقب الموقعة حصن الأرك، وقلعة رباح
نتائج معركة الأرك:
ارتفاع الروح المعنوية لمسلمي الأندلس، وسقوط هيبة ملوك النصارى أمام مسلمي الأندلس، كما جعلت ملوك النصارى يسارعون في عقد المعاهدات مع المسلمين، وإيقاف الحروب والإذعان للشروط التي يضعها الموحدون، وأيضًا من النتائج المهمة أن انصاعت بعض قبائل المغرب التي كانت تفكر في الثورة على الموحدين
عصور الضعف في تاريخ الأندلس
1- عهد الولاة
2- مرحلة التدهور في عهد الإمارة الأموية
3- مرحلة التدهور في الدولة العامرية
4- نهاية حكم الأمويين بالأندلس
5- عصر ملوك الطوائف
6- فترة الضعف في أواخر دولة المرابطين
7- فترة الضعف في أواخر دولة الموحدين
8- دولة بني الأحمر في مملكة غرناطة
9- حركة إزالة العالم الإسلامي
عهد الولاة
تولى عبد العزيز بن موسى بن نصير بعد والده ولكنه تعرض لحادثة اغتيال وكان ذلك بداية عهد مضطرب ومشوش كان من أبرز سماته عدم الاستقرار السياسي والتناقضات القبلية والعنصرية بين العرب أنفسهم ثم بينهم وبين البربر، ومما يدل على التدهور الذي وصلت إليه البلاد في تلك الفترة من (95 – 138هـ) (714 – 755م) هو أن من تولى أمر الأندلس خلال تلك الفترة 22واليًا حكم واحد منهم مرتين
تتابع الولاة على الأندلس بعد مقتل عبد العزيز بن موسى بن نصير، فتولى أيوب بن حبيب اللخمي لمدة ستة أشهر فقط، ثم عين الحر بن عبد الرحمن الثقفي الذي نقل العاصمة من إشبيلية إلى قرطبة، وأنهمك في قمع الفتن والثورات التي كانت ناشبة بين العرب والبربر ولكنه فشل في حل تلك النزاعات، وتولى بعده السمح بن مالك الخولاني وبادر إلى وضع حد للنزاعات وقام بالعديد من الإصلاحات، ولكنه استشهد في معركة مع الصليبيين بالقرب من تولوز عام 102هـ= 721م
بعد ذلك تولى عنبسة بن سحيم الكلبي وقتل هو الأخر أثناء عودته من إحدى الغزوات في 107هـ=712م، وبعد وفاته عمت حالة من الاضطراب وفقدان الاستقرار البلاد في ظل تفاقم الخلافات بين القبائل، وتمرد البربر، وتفكك الجيش، وعاقب على الحكم ولاة معظمهم فرضته العصبية القبلية، ولم تنتهِ هذه الحالة المضطربة إلا بتعين عبد الرحمن الغافقي واليًا على الأندلس عام 113هـ=731م
عبد الرحمن الغافقي وهزيمته في موقعة بلاط الشهداء
ما السبب في هزيمة عبد الرحمن الغافقي في موقعة بلاط الشهداء بعد تلك الانتصارات التي حققها؟
كان هناك عدة أسباب وراء هزيمة عبد الرحمن الغافقي، كان من تلك الأسباب بُعد الجيش الإسلامي عن بلاد الإسلام فكان على بعد 400كم تقريبًا شمال جبال ألبرت – تبعد 900كم عن قرطبة - بالإضافة إلى النزاعات التي كانت بين البربر وبين العرب وكان ذلك من أهم العوامل التي أدت إلى هزيمة المسلمين، بالإضافة إلى عوامل أخرى منها أن الوقت كان خريفًا وهو وقت سقوط المطر في تلك النواحي، بالإضافة إلى عامل آخر هام وهو انشغال المسلمين بالغنائم الكثيرة التي كانوا يحملونها نتيجة الفتوحات الكبيرة التي قاموا بها قبل الوصول إلى تلك الموقعة
وكان من نتائج هذه المعركة أن توقف المد الإسلامي باتجاه قلب أوربا، وقضت على تصميمهم في اجتياح هذه القارة، وأقنعتهم بالاكتفاء بما حققوه من إنجازات فيما وراء البرينييه.
في المقابل بددت مخاوف الأوربيين من اجتياح إسلامي للقارة، وأنقذت النصرانية في أوربا الغربية من حكم إسلامي محتمل، وجعل هذا النصر من شارل مارتل بطل النصرانية الأول
بعد ذلك تولى عدد من الولاة كانت الفتن والنزاعات القبلية أهم ما يميز عصرهم إلى أن وصلوا إلى يوسف بن عبد الرحمن الفهري آخر الولاة الذين حكموا الأندلس في هذا العهد، حيث سقطت في غضون ذلك الخلافة الأموية في دمشق، وتمكن أحد الأمراء الأمويين، وهو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، أن ينجو من المذابح التي نفذها العباسيون بحق الأمراء الأمويين، ويمم وجهه شطر المغرب ثم الأندلس ليدخلها ويؤسس الدولة الأموية فيها
مرحلة التدهور في عهد الإمارة الأموية
تولى حكم الإمارة بعد وفاة عبد الرحمن الثاني أمراء ضعاف، فتمزقت الأندلس وتفجرت الثورات في أنحائها المختلفة، واستقل الثوار بحكم المناطق التي ثاروا فيها، وتقلص نفوذ بني أمية فاقتصر على قرطبة وضواحيها، وتعد المدة الزمنية بين أعوام ( 238-300هـ=852-912م ) مضطربة سياسيًا وعسكريًا، وتمثل انتكاسة للمنجزات الكبيرة التي تحققت على يد الأمراء الأوائل
أمّا عن الأسباب المسئولة عن هذا الضعف والتدهور الذي وصلت إليه الأندلس في تلك الفترة فيكمن في عدم التجانس بين عناصر شعب الأندلسي؛ فرغم الرخاء الذي عم ربوع البلاد فإن المجتمع الأندلسي لم يكن متجانسًا، إنما تشكل من عدة شعوب متعددة خضعت للسيادة الأموية إما طوعًا أو كرهًا دون أن يجمعها قاسم مشترك، وعاشت في تنافر عنصري وديني، ولم يندمج بعضها ببعض
ونتيجة لذلك كثرت الثورات فكون العرب دويلات أهمها دولة بني حجاج في أشبيلية من قبيلة لخم اليمنية، أما البربر فقد خلعوا طاعة أمراء بني أمية، وعادوا إلى القبائل واستقلوا بالولايات الغربية وجنوب البرتغال، واحتلوا مراكز عظيمة الشأن في الأندلس نفسه كمدينة جيان.
أمّا مولدو الأسبان فقد استولوا على ولاية الجرف في الزاوية الجنوبية الغربية من الأندلس، وملكوا عددًا كبيرًا من المدن والولايات المستقلة بالأندلس، وكان ابن حفصون أكثر هؤلاء قوة وبأسًا وظل يحكم ويمد نفوذه على البلاد حتى اقترب من قرطبة، وظل ابن حفصون في قوته حتى أعلن ارتداده عن الإسلام ليغري المستعربة بالانضمام إليه، ولكن جاء هذا وبالاً عليه؛ فقد انفضَّ من حوله المسلمون، ولم ينضم إليه النصارى، فضعف أمره وزالت دولته
عهد الضعف في الدولة العامرية
عبد الملك المظفر الحاجب:
تولى عبد الملك المظفر الحجابة بعد موت أبيه محمد بن أبي عامر 392هـ= 1002م ولكنه لم يكن مؤهلاً لتخطي العقبات التي كان عليه أن يتخطاها، فلم يكن يملك موهبة القيادة كما كان والده، فقد كان واقعًا تحت تأثير رجاله، ومع ذلك فقد قام بسبع غزوات في بلاد الروم ففي سنة 393هـ= 1003م خرج في غزوته الأولى التي فتح فيها حصن يمقصر من ثغر برشلونة، وخرج في غزوة عام 395هـ =1005م إلى جليقية، وفي العام التالي إلى بنبلونة، وفي عام 397هـ= 1007م خرج إلى قشتلية وهي الغزوة المشهورة بغزوة النصر، وقد هزم النصارى في هذه الغزوة هزيمة عظيمة وعلى إثر هذه الغزوة سمي عبد الملك بالمظفر.
وتوفى عبد الملك وهو في الطريق لتنفيذ إحدى غزواته في الشمال سنة 399هـ=1008م
عبد الرحمن بن المنصور:
كان مستهترًا محبًا للملذات طمع فيما لم يطمع فيه أبوه ولا أخوه، إذ طمع في السلطة الشرعية، وأراد أن يستأثر بما بقى للأمويين من رسوم الخلافة، فطلب من هشام أن يكتب له بولاية العهد، فأثار ذلك المرسوم المضريين الذين كبر عليهم أن ينتقل العرش إلى اليمنيين (القحطانين)، وأن تبتعد الخلافة عن قريش، فانبعثت العصبية العربية من جديد وانتهز الأمويون والمضريون فرصة غياب عبد الرحمن في الشمال وولوا رجلاً من أحفاد الناصر هو (محمد بن هشام بن عبد الجبار بن أمير المؤمنين الناصر) ولقبوه بالمهدي بالله.
ولما بلغت الأخبار عبد الرحمن رجع من الشمال، وكان كلما اقترب من قرطبة انفضَّ عنه جماعة من جيشه حتى صار في قلة من أصحابه، فاعترضه من خصومه معترض، فقبض عليه وحزَّ رأسه وحمله إلى المهدي وبموته انتهت دولة بن عامر
الانهيار ونهاية حكم الأمويين بالأندلس: ( 399هـ- 422هـ)
تلاحقت الأحداث بعد ذلك سريعة ومذهلة، ومرَّت دولة الأمويين في الأندلس بأجواء عاصفة، ومشحونة بالصراعات الدموية بين عناصر الأسرة الحاكمة، حيث اعتلى منصب الخلافة عدد من الخلفاء لم يكن أحد منهم على مستوى الأحداث
فقد تولى الأندلس في تلك الفترة عدد من الخلفاء الأمويين يزيد على عدد من تولوا طيلة القرون الثلاثة الماضية، وضاعت هيبة الخلافة وانقسمت البلاد مرة أخرى وبرزت العنصرية المقيتة بشكل واضح، ووصل الأمر إلى أن يستعين كل فريق على خصمه بنصارى الشمال الذين كانوا ينتهزون تلك الفرصة للحصول على الحصون نظير إجابتهم طلب النجدة.
وبعد تلك الأحوال التي وصلت إليها الأندلس كان الأمر الطبيعي المتوقع حدوثه أن تسقط الدولة الأموية بالأندلس، وقد حدث ذلك بالفعل بموت آخر خلفائها المعتمد بالله سنة 422هـ، وبموته أعلن الوزير أبو محمد بن جهور انتهاء الخلافة، لعدم وجود من يستحقها، وأنه سيحكم الدولة جماعة من الوزراء على نظام شبه جمهوري.
وبانتهاء هذه الفترة انقسمت البلاد إلى دويلات صغيرة، واستقل كل أمير بمقاطعته، وأعلن نفسه ملكًا عليها، ودخلت الأندلس في عصر جديد هو عصر ملوك الطوائف
ولكن قبل الانتقال إلى عصر ملوك الطوائف كان لابد أن نعرف أولاً ما أسباب سقوط الخلافة الأموية في الأندلس؟.
أسباب سقوط الخلافة الأموية في الأندلس
تكمن تلك الأسباب أولاً في غياب القائد والأداة القادرة على الحسم في الوقت المناسب: فالأندلس في هذه الفترة كانت بحاجة إلى أمثال عبد الرحمن الداخل الذي أسسها وإلى أمثال عبد الرحمن الناصر الذي بنى مجدها الحضاري.
ثانيًا: الفصل بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية:
منذ تأسيس الدولة ظلَّ الأمير أو الخليفة يجمع السلطتين الزمنية والروحية حتى سيطر على الحكم الحاجب المنصور بن أبي عامر وأبناؤه، فانتزعوا السلطة الزمنية لأنفسهم وتركوا الخلافة مجرد رمز لا معنى له في الأصل، وكان هذا الفصل مقدمة لنهاية الخلافة.
ثالثًا: التركيبة الاجتماعية للأندلس:
كان أهل الأندلس أخلاطًا متنافرة من السكان بعضهم عرب وبعضهم بربر وبعضهم صقالبة، وبعضهم مولدون وبعضهم مستعربون أو يهود، وكان لزامًا على الحكم أن يصنع الحزم لأن الرغبة في الاستقلال تجعل هناك نوعًا من الحساسية.
رابعًا: الاستعانة بأمراء وملوك الممالك الإسبانية الشمالية:
أدَّى التنازع بين الأمراء إلى استعانة البعض بالنصارى مقابل التنازل عن بعض الحصون والمدن الحدودية وهذا بالتأكيد أدى إلى تفكك الدولة الأموية.
ومن المؤلم تصور الصرح الشامخ الذي بناه رجال أمثال عبد الرحمن الداخل والأوسط والثالث ورجل مثل المنصور بن أبي عامر، ينهار خلال بضع سنوات وذلك استجابة لسنة من سنن الله في الأرض : "وتلك الأيام نداولها بين الناس"، ويصبح الأندلس بعد ذلك دويلات وإمارات صغيرة وادعى كل حاكم من هؤلاء أنه ملك مقتدر بل أنهم جميعًا تلقبوا بألقاب تدل على سعة الملك وعظيم الشأن وهي لا تنم عن حقيقة حالهم، وقد وصف ابن رشيق حال الأندلس في ظل هذه الدويلات بقوله:
مما يُزَهِّدني في أرض أندلس أسماء معتضد فيها ومعتمد
ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسد.