من المفارقات الطريفة -والنادرة- في تاريخ مصر الإسلامية، ذلك الوضع السياسي الذي كانت عليه مصر عشية النزاع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، فقد نجح عمرو بن العاص في القضاء على آخر ولاة مصر في عهد الخلفاء الراشدين محمد بن أبي بكر، وتقديراً لذلك ولاه معاوية مصر سنة 38 هجرية، رغم ان معاوية لم يكن قد أصبح خليفة بعد، وكان الخليفة آنذاك هو علي بن أبي طالب الذي قتل سنة 40 هجرية.
وينتسب الأمويون إلى أمية بن عبد شمس الجد الأعلى للأسرة، وهي الأسرة الحاكمة الأولى في التاريخ الإسلامي التي اعتمدت مبدأ وراثة الحكم بناءً على خط الإنحدار الأبوي، وقد بدأ ظهور هذه الأسرة عقب مقتل عثمان بن عفان، وهو من أفراد الأسرة الأموية، ويعتبر معاوية بن أبي سفيان بن أمية مؤسس هذه الأسرة الأموية وهو الذي قاد الصراع ضد علي بن أبي طالب، وبعد مقتل علي سنة 40 هجرية، نجح معاوية في أخذ البيعة له بعد تنازل الحسين بن علي عن الحكم له سنة 41 هجرية / 661 ميلادية.
وقد اتخذ الأمويون دمشق عاصمة لهم، وأبرز خلفاء هذه الدولة عبدالملك بن مروان (685 -705 ميلادية) الذي قضى على الثورات المضادة للدولة، وقام بتعريب الإدارة والدواوين. ووصلت الدولة في عهد ابنه الوليد إلى أقصى اتساعها (705- 715 ميلادية) من تخوم الهند حتى الأندلس. وبعد سقوط الدولة الأموية سنة 132 هجرية / 750 ميلادية عقب مقتل آخر خلفائها مروان بن محمد في مصر، تمكن عبدالرحمن الداخل أحد أحفاد هشام بن عبدالملك من الفرار للأندلس وتأسيس خلافة جديدة للأمويين في الأندلس سنة 756 ميلادية.
وقد تولى إمارة مصر من قبل الأمويين اثنان وعشرون والياً تولى أربعة منهم الولاية مرتين، ويعتبر عبدالعزيز بن مروان أطول ولاة مصر في العصر الأموي مدة (والد الخليفة عمر بن عبدالعزيز) فقد مكث ما يقرب من عشرين عاماً من (65 إلى 86 هجرية) / (685 إلى 705 ميلادية) وأقصرهم مدة حسان بن عتاهية الذي تولى لمدة 16 يوماً ثم هرب.
ويعتبر العصر الأموي عصر استقرار النظم السياسية والإدارية الإسلامية بمصر فقد تم تعريب الدواووين في ذلك العصر كما هاجر عديد من القبائل العربية إلى مصر خلال ذلك العصر. وقد جدد وعمر عديد من ولاة العصر الأموي جامع عمرو بن العاص مثل مسلمة بن مخلد وقرة بن شريك، وأنشأ الوالي عبدالعزيز بن مروان مدينة حلوان، كما اهتم الأمويين عن طريق ولاتهم بمشروعات الري وأنشأوا الجسور والقناطر ومقاييس النيل مثل مقياس أسوان الذي بناه عمرو بن العاص ومقياس الروضة الذي بناه أسامه بن زيد التنوخي، وقد بنيت كنائس كثيرة في مصر في عصر الأمويين مثل كنيسة الفسطاط التي بنيت في عصر مسلمة بن مخلد، كما بنيت كنيستا ماري جرجس وأبو قير في عصر عبدالعزيز بن مروان، ودعا فقهاء ذلك العصر إلى ضرورة تعمير الكنائس وبنائها لأنها من عمارة البلاد.
وقد شاركت مصر أيضاً في الصراعات المختلفة التي حدثت حول العرش الأموي؛ فقد بايع الخوارج المتواجدون بمصر ومعهم بعض المصريين دعوة عبدالله بن الزبير الذي خرج على حكم الأمويين سنة 64 هجرية، ودخلوا في طاعته وتمردوا على الوالي الأموي سعيد بن يزيد (62 - 64 هجرية) وعين عبدالله بن الزبير عبدالرحمن بن جحدم والياً من قبله على مصر سنة 64 هجرية، ولكنه هزم أمام الأمويين في مصر بعد تسعة أشهر فقط لتعود مصر بعدها ولاية أموية.