أن آدم هو أبو البشر الذي نسبنا الله جل وعلا في كثير من آيات القرآن إليه فقال جل ذكره :{ يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } وقال جل وعلا : { يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ } فالأبوان هنا هما آدم وحواء عليهما السلام وإنما قيل لهما الأبوان تغليبا للذكر على الأنثى صلوات الله وسلامه عليهما .
الحديث عن آدم عليه السلام حديث ذو شجون لكننا سنحاول أن نجمع شتاته ونلم أطرافه وفق التالي فنقول : إن الله جل وعلا أخبر الملائكة قبل أن يخلق آدم بأنه سيخلقه قائلا : {إ ِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} فقالت الملائكة : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} فالله جل وعلا له العلم التام والحكمة البالغة فكان خلق أبينا آدم عليه السلام من قبضة قبضت من الأرض .
جاء في بعض الآثار أن الله بعث ملكا يقبض تلك القبضة فلما وصل إلى الأرض قالت له الأرض : " أعوذ بالله منك " فرجع إلى ربه فسأله الله وهو أعلم قال : " يا رب استعاذت بك فأعذتها " فبعث الله وهو أعلم ملكا آخر غيره فقالت له الأرض مثل ماقالت لصاحبه فرجع إلى ربه فقال له مثل ماقال الأول فبعث الله ملكا ثالثا فلما جاء أن يقبض من الأرض قالت الأرض كما قالت لصاحبيه " أعوذ بالله منك " قال : " وأنا أعوذ بالله أن لا أنفذ أمره " ثم أخذ قبضة من الأرض هذه القبضة جاءت مجتمعه مخلوطة ممزوجة فلما رفعت إلى ربنا جل جلاله خلطت بماء فأضحت طينا ثم تركت فترة فأضحت صلصالا من فخار بحيث أنه لو قرع يحدت صوتا على هذا هذه المراحل الثلاث كلها ذكرها الله جل وعلا في كتابه فقال جل ذكره : { خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ } وقال: {خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ } وقال جل وعلا : { مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ } لأن هذه هذه المراحل الثلاث كلها مر بها خلق أبينا آدم.
من ضلع آدم خلقت أمنا حواء قال عليه الصلاة والسلام : ( استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج مافي الضلع أعلاه فإن أنت أردت أن تقيمه كسرته وإن استمتعت فيه استمتعت فيه على عوج ) هذه الوصية النبوية فيها شاهد على أن حواء خلقت من ضلع آدم.
بخلق حواء من ضلع آدم يكون الخلق قد مر بمراحل أربعة في تنوعه :
فمثلا خلق آدم من غير أب ولا أم هذه واحدة من الأربع وخلقت حواء من آدم من غير أم هذه الحالة الثانية والحالة الثالثة خلق عيسى بن مريم على النقيض من حواء خلق من أم من غير أب والحالة الرابعة هي خلق سائر الناس كل الناس يولدون من أم وأب ولا يتصور عقلا أبدا أن يكون خلق بغير هذه الطريقة.
المقصود أن الله جل وعلا أمر الملائكة أن تسجد لآدم وسنقف في درسنا لآدم وحواء عبر آيات القرآن لعله أكمل لأن الله جل وعلا ذكر قصة آدم وحواء وخلقهما في كثير من آياته قال الله جل وعلا:{ فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ }.
القضية ندرسها وفق التالي :
السجود يقع على حالتين :إما سجود عبادة وإما سجود تحية فأما سجود العبادة فلا يقع شرعا إلا لله لا يمكن أن يأمر الله أحدا أن يسجد لأحد شرعا فالسجود عبادة عظيمة لا تقع إلا لله شرعا ودينا , يتقبل قد يسجد أحد لأحد على هواه لكن هذا كفر نحن نتكلم عن الشرع .
الحالة الثانية: سجود التحية وهو نوع من الثناء نوع من التبجيل وهذا كان موجودا في شرع من قبلنا ومنه قول الله جل وعلا عن إخوة يوسف وأمه وأبيه لما ذكر الرؤيا قال الله جل وعلا : {و َخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً }. ومنه سجود الملائكة لآدم فإن الملائكة بسجودها لآدم إنما تحي آدم وتعبد ربها لأن الله هو الذي أمرها بالسجود تعبد ربها وتحي آدم فنحن عندما نسجد نستقبل ماذا ؟ نستقبل الكعبة لكننا لا نسجد للكعبة نسجد لرب الكعبة وإنما نستقبل الكعبة لأن الله أمرنا أن نستقبل الكعبة نوجه وجهنا للبيت العتيق لأن الله أمر أن نوجه وجوهنا عند الصلاة في السجود للبيت العتيق لكننا لا نسجد للكعبة ولا للحجر ولا للبيت أصلا ولا للحرم المكي ولا لمكة عموما إنما نسجد لله رب العالمين جل جلاله ولذلك إذا تعذر معرفة القبلة أو كان الإنسان على دابة يسجد كيفما اتفق لأن المقصود السجود لرب العالمين جل جلاله .
يتعلق بالسجود كذلك التعبير القرآني:
الله جل وعلا يقول :{ فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } ونحن نعلم نحويا أن كل وأجمع من ألفاظ التوكيد المعنوي
لكن مالذي أفادته {كُلُّهُمْ } ومالذي أفادته { أَجْمَعُونَ } ؟
نقول والعلم عند الله إن قوله جل وعلا: { فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ } إشعار بأنه لم يبقى أحد من الملائكة لم يسجد أي لم يتخلف أحد من الملائكة فإن قيل إن إبليس تخلف ؟ قلنا إبليس ليس من الملائكة .
وما لذي أفادته كلمة { أَجْمَعُونَ } ؟
أفادته كلمة أجمعون هنا وأنا لم أجرها بناء على الحكاية أفادته كلمة أجمعون هنا أنهم في وقت واحد في وقت واحد كلهم أي لم يتخلف أحد { أَجْمَعُونَ } أي في وقت واحد عليهم السلام.
قال الله جل وعلا : { فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ }و إبليس نص الله على أنه من الجن قال الله تبارك وتعالى { إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ } .
السجود هذا ندرسه الآن لتعلقه بعمل في حياتنا فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما روى الإمام أحمد في المسند من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه قال : ( إن المؤمن إذا تلى القرآن ومر بآية سجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول ياويلاه أمر بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فلم أسجد فلي النار ) ـ عياذا بالله ـ وفي هذا دلالة على أنه ينبغي للمؤمن أن يحرص على أن يسجد عند قراءة و تلاوة آية السجدة في كتاب الله أو عندما يسمعها تتلى عليه أو يسمعها بتمعن أو إن كان سامعا برغبة أما السامع العارض المار فهذا لا يلزمه سجود في أصح أقوال العلماء لكنه لو سجد لفعل خيرا والأول لا يعني ذلك أنه يلزمه لكنه أشد في حقه .
نعود فنقول : هذا مايتعلق بسجود الملائكة لآدم عليه السلام وهذا نوع من التكريم الذي كرم الله جل وعلا به أبانا آدم وفي تكريم آدم تكريم لذريته ولهذا قال الله جل وعلا: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }.
جاء في قصة آدم وحواء قول الله جل وعلا في سورة الأعراف:
{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ *فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }.
نقول هذه الآية بعض المفسرين ـ عفا الله عنا وعنهم وعن كل مؤمن ـ وقع في وهم كبير نقلا عن إسرائيليات و أحاديث لا يمكن أن تصح عن نبي الله آدم فآدم نبي مكلم والله جل وعلا يقول: { إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ } فلا يمكن أن يقال بعد ذلك ماقاله بعض المفسرين من أن الشيطان طاف بحواء وهي حامل فسألها مالذي في بطنها فقالت لا أدري قال يمكن أن يكون بهيمة , هذا الشيطان يقول لها في تلك الرواية فأن أدعوا الله أن يكون إنسانا على أن تسميه باسمي وقال لها أنا الحارث فلما ولد أسمته عبدالحارث يقولون هذا معنى قوله الله : {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا } , ورواية أخرى هي عندهم أصح تقول أنه كان كلما ولد لآدم مولود مات فجاءهم الشيطان فقال اسموه عبدالحارث فإنه يأتي فأسموه عبدالحارث فعاش. لا يمكن هذا القول مهما قلنا في السند صحة أو ضعفا أن ينسب هذا الكلام إلى نبي من أنبياء الله جل وعلا . وهناك قاعدة في العلم ذكرها الشيخ ابن سعدي رحمة الله تعالى عليه في مواطن كثيرة من كتبه " أن الإنسان يأخذ بالأصل ما عارض ذلك الأصل من الشبهات والعوارض الأخر يردها بناء على ذلك الأصل " فما الأصل عندنا ؟ الأصل أن آدم نبي مكلم موحد فإذا كان لم يقع الشرك في كثير من آحاد الأمة لم يشركوا كيف ينسب الشرك إلى نبي مكلم عليه السلام هذا يستحيل عقلا ونقلا فهذا الأصل الذي نستمسك به فما جاءنا من قصص أو روايات أو أخبار أيا كان موضعها تعارض هذا الأصل الذي نحن بصدده نردها بملء اليقين ونحن واثقون أن هذا لا يمكن أن يكون حقيقة قال عليه الصلاة والسلام: ( سئل عن آدم أنبي هو ؟ قال : نعم نبي مكلم ) والله جل وعلا يقول: { فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} والله أخبره أنه اجتباه عليه السلام صحيح وقع من آدم قضية الأكل من الشجرة نعم لكن تلك معصية صغيرة تقع من أي أحد لكن لا يمكن نسبة الشرك إلى نبي الله آدم .
نعود إلى موقف آخر في قصة آدم وحواء:
الموقف الآخر أن الله جل وعلا أخبر أنه لما وسوس لهما الشيطان بدا لهما ماوري من سؤاتهما وعلى هذا يقال : إن ستر العورة واجب بل من دلائل الإيمان وقرائن الحياء والبعد عن الفواحش والرذائل . وأعداء الملة اليوم ماسعوا إلى شيئ بدؤا به في زعزعة أخلاق هذه الأمة كسعيهم إلى أن ينزع الحياء منها إلى أن يكشف من العورات أكثر مما ينبغي هذا الطريق الذي نهجه أعداء الملة اليوم فكما أن إبليس مقدمهم في كل شر هو الذي وسوس لأبينا وأمنا قال الله جل وعلا : { يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا }{ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ و َعَصَى آدَمُ رَبَّهُ َفغَوَى } .
هذا الأمر هو الذي ينبغي للمؤمن: أن يتداركه وثمة برامج الآن تقدم عبر بعض القنوات يقصد من خلالها إضعاف هذا الجانب القوي وهو جانب الحياء في الأمة في الدعوة إلى كشف العورات والجمع في مكان واحد مابين الفتيان والفتيات و الرجال والنساء بدعاوى باطلة كتعليم الموسيقى أو تعليم الفنون أو ما أشبهه ذلك التي تتخذ غطاء لتقام المنكرات على الملأ فيستملؤها الناس وتألفها العيون ويصبح الرجل والمرأة لا ينكر أحدهما عن الآخر والعياذ بالله قد تجتمع أسرة أب وأم وأفراد الأسرة كلها على التلفاز على الشاشة ليرون تلك الأمور وكلهم راض مقتنع بما يراه قد يقول قائل أين الذنب هنا الذنب على القائمين على تلك القنوات وهذا غير صحيح فإن الذنب ليس محصورا على القائمين والمنتجين والمنفقين على تلك القنوات وإنما عام في كل من أسهم ولو بخيط إبرة في بقاء تلك الأمور على النحو الذي تقع . فكيف تقع ؟ تقع بالاتصالات الممزوج الناري الذي تموه به تلك البرامج إنما هو ناجم عن تلك الاتصالات المتكررة من جماهير الناس في العالم العربي كله وهؤلاء عياذا بالله وليعذرني السامع والمشاهد في هذا التشبيه أشبه أولئك القوم أنفسهم بالوزغ الذي كان ينفخ في نار إبراهيم عليه السلام .
فستر العورة من أعظم دلائل التقوى وفي أفراحنا للأسف ظهر في زماننا هذا تكشف للعورات في مجامع النساء بحجة أنهن نساء بعضهن يقابل بعض وليس في هذا حجة فإن المرأة مأمورة أن تستر عورتها في أي مكان وإنما يظهر لأختها أو من معاشر النساء اللاتي يصاحبنها ماجرت العادة بإظهاره من المرفق إلى الكفين من الركبة إلى القدمين العنق والرأس هذا لا بأس به مما جرت العادة أن تظهره المرأة في خدمتها في بيتها أما غير ذلك فلا يجوز شرعا إظهاره ولا التغني به ولا التمدح فليتق الله كل في نفسه وأسرته وماله وولده
نعود للحديث عن آدم وحواء عليهما السلام آدم وحواء عليهما السلام أهبطا إلى الأرض من شؤم المعصية وهذا دلالة على أنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه نسب والله جل وعلا يقول عن قوم نوح عليه السلام : { مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَاراً } [نوح : 25] أي بسبب خطيئاتهم {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَاراً} , وهذا آدم عليه السلام نبي مكلم لما عصى الله ونهاه ربه عن الأكل من تلك الشجرة وأكل أخرجه الله جل وعلا من جنته لكنه لم يقابل ربه بالندية وإنما قابله بذل العبودية وهذا الفرق مابين آدم وإبليس فإبليس امتنع عن السجود لما أمر بالسجود وآدم نهي عن أن يأكل من الشجرة فأكل من الشجرة فكلاهما أخطأ مع تفاوت الخطأ لكن إبليس والعياذ بالله لم تقع منه توبة أما آدم عليه السلام سارع إلى التوبة { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } . بل جاء في بعض الآثار أن آدم لما أهبط إلى الأرض لم يرفع رأسه إلى السماء حياء من ربه جل وعلا عليه السلام .
وفـاة آدم عليه السلام :
عمر آدم عليه السلام ما شاء الله له أن يعمر حتى شعر بدنو الموت فسأل بنيه أنه يشتهي ثمار الجنة فخرجوا من عنده فلما خرجوا من عنده إذا بالملائكة قد نزلت ومعهم أكفانه وحنوطه ومعهم الفؤوس و المساحي والمكاتل وهذا حديث صحيح إلى أبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاه فلما رأوهم قالوا : " ما تريدون يا بني آدم " قالوا : " إن أبانا اشتهى ثمار الجنة " فقالت الملائكة : " قضي أمر أبيكم "وعادوا معهم فلما دخلت الملائكة على آدم عرفتهم حواء فلما عرفتهم توارت خلف آدم فقال : ( إليك عني فإنما أوتيت من قبلك ) .
وهذا فيه إشارة إلى أن حواء هي التي أشارت على آدم أن يأكل من الشجرة في الجنة فلما رأتهم توارت خلف آدم عليه السلام قال : ( إليك عني فإنما أوتيت من قبلك ) .ثم إن الملائكة قبضت روحه بعد أن خيرته لأن الأنبياء يخيرون ثم غسلته وحنطته وكفنته ثم حفروا له قبرا ثم ألحدوا له ثم نزلوا في قبره ثم نصبوا عليه اللبن ثم حثوا عليه التراب ثم التفتوا إلى بنيه فقالوا : " هذه سنتكم يا بني آدم " .
قال الله جل وعلا { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } : فدفن الموتى ومواراتهم سنة بلا ريب ولا شك وهي نص الله عليها في كتابه وذكرت في الأحاديث وهي الذي عليها ولله الحمد والمنة عمل المسلمين إلى يومنا هذا بقي أن نقول إن آدم عليه السلام قبض لكن روحه في الملأ الأعلى والنبي عليه الصلاة والسلام رأى أبانا آدم في رحلة الإسراء والمعراج رآه في السماء الدنيا وحوله أنسمه " أنفس" أسودة عن يمينه وأسودة عن شماله وهو عليه الصلاة والسلام لا يعرف أباه آدم فكان آدم إذا التفت إلى اليمين استبشر وضحك وإذا التفت إلى الشمال حزن وبكى فسأل النبي عليه الصلاة والسلام جبريل: ( من هذا ) قال: ( هذا أبوك آدم والأسوده التي عن يمينه نسم بنيه ممن كتب الله لهم الجنة إذا رآهم استبشر وضحك والأسوده التي عن شماله نسم بنيه ممن كتب الله عليهم النار إذا رآهم بكى وحزن ) ,ثم إنه آدم عليه السلام سلم على نبينا صلى الله عليه وسلم قائلا : ( أهلا بالابن الصالح والنبي الصالح ) أهلا بالابن لأنه من ذريته قطعا أهلا بالابن الصالح والنبي الصالح والله جل وعلا أخبرنا في كتابه أنه جعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف ثم قال جل وعلا : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }.
وهذا المبدأ العظيم : قرره النبي صلى الله عليه وسلم كذلك في خطبه الوداع يوم أن قال : ( أيها الناس كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى ) فجعل الله تبارك وتعالى أعظم المعايير معيار التقوى الذي يتفاضل به بين الناس عندما يقوم الأشهاد ويحشر العباد بين يدي ربهم تبارك وتعالى .
فقد آدم عليه السلام في حياته أحد أبنائه وهو هابيل قتله أخاه قابيل وهذا رويت أشعار تنسب لآدم :
تغيرت البلاد ومن عليهـا * فوجه الأرض مغير قبيح
تغير كل ذي لون وطعـم * وقل بشاشة الوجه الصبيح
وما إلى ذلك وهذا لا يصح إنما ذكره ابن إسحاق رحمة الله تعالى عليه المؤرخ المعروف لكنه لم يتبين فيه أن هذا لا يمكن نسبته إلى أبينا آدم ولذلك تتبع النقاد ابن إسحاق كما تتبعه ابن سلام الجمحي في طبقات الشعراء وقال إن ابن إسحاق كان مؤرخا وليس من بضاعته الشعر وإنما نقله لتلك الأخبار لا يصح أبدا ولا يمكن نسب تلك الأبيات إلى أبينا آدم عليه السلام .
بقي أن نقول معشر الأخوة:
أن أبانا آدم عليه السلام نبي مكلم أحد أنبياء الله كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وقع في المعصية بقدر الله جل وعلا ثم تاب فتاب الله عليه فأعظم ما يوصى به الناس وينصح به الخلق أن يتوبوا إلى الله جميعا في كل آن وحين فالتوبة وظيفة العمر والله جل وعلا يقول: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
والشيطان عدو جعله الله جل وعلا عدوا لأبينا ولا يمكن له أن يدلنا على خير أو أن يرشدنا إلى بر وهو سيتبرأ من كل من اتبعه يوم القيامة كما حكى الله جل وعلا عنه .
رزقنا الله وإياكم التوبة النصوح والعمل الصالح والفوز في الدارين والسعادة في الحياتين هذا ما تهيأ إيراده وتيسير إعداده جمعنا الله وإياكم بالأخيار يوم الأشهاد .
هذا والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين