الأم هي رمز المحبة والعطف والحنان والشفقة والتضحية والفداء والتحمل كلمات لاتعد ولاتحصي هي مدلول هذه الكلمة التي قد تحتاج الي قاموس بل معاجم لجمع المعاني التي تدل عليها هذه الكلمة.. ومن ثم لايستطيع أحد أن ينكر أن الإسلام حدد للمرأة بوجه عام حقوقا وواجبات يجب أن يحترمها المجتمع وأعطي للأم بوجه خاص مكانة مرموقة لدرجة أن الجنة جعلت تحت قدميها..
ويبدو أن العالم أجمع يحتفل الأيام القادمة بما يسمي بعيد الأم والذي ينتهز فيه البعض الفرصة لتقديم الهدايا الي أمهاتهم والبعض الآخر يقوم بزيارة الأمهات في دور المسنين التي وضعهن فيها أبناءهن وفلذة أكبادهن الأمر الذي دعا الي التساؤل هل من عرضت نفسها للخطر من أجلك وسهرت الليالي علي راحتك مؤثره علي نفسها الراحة تستحق أن تكرم يوما واحدا فقط في العام وهل الإسلام حدد ذلك الأمر أم لا؟ ومع ذلك يأتي دور الدعاة ورجال الدين لتوضيح هذه النقطة اسلاميات المسائي حاورت بعض علماء الدين للوقوف علي حقيقة هذه الأمور فكانت هذه آراؤهم.
في البداية يقول الدكتور محمود مهنا نائب رئيس جامعة الأزهر لفرع أسيوط وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن الإسلام هو دين كل العصور دين قديم جديد فلم يكرم الأبوين وبصفة خاصة الأم في يوم دون يوم ولكن حدد بأن يكون تكريمهما منذ بداية بلوغ الابن النطق حتي موتهما وبعد موتهما وذكر القرآن الكريم العديد من النصوص التي تدل علي ذلك في سور البقرة, النساء, الأنعام, الإسراء بصفة خاصة حدد منها القرآن ثلاث تكريمات
أولها: الإحسان العام, الثاني الإحسان الخاص في حالة الكبر, الثالث بعد إنتقالهما من هذا العالم إلي الدار الآخرة والدليل قوله تعالي وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا
وقول الرجل للنبي( صلي الله عليه وسلم) لقد مات أبواي فهل بقي من برهما شيئ قال صلي الله عليه وسلم نعم الصلاة عليهما أي الدعاء لهما والإستغفار لهما وإكرام صديقهما والصلة التي لاتوصل إلا عن طريقهما:
ضرورة الإحسان اليهما
وأضاف أن الله سبحانه وتعالي أوضح في كتابه أنه وصي الإنسان بوالديه وضرورة الإحسان إليهما في القول والعمل والتقدير وتنفيذ أمرهما في أي شيء إلا الكفر في قوله تعالي: ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وخاصة الأم التي تعاني في لحظات الحمل والولادة والإرضاع أشد المعاناة وتكاد تفقد حياتها في أثناء الولادة
لقوله تعالي وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون مشيرا الي أن هناك صور عديدة للتكريم منها تقبيل يد الأم وأخذ مشورتها في الصغيرة والكبيرة وطلب الدعاء منها والقيام لها عند قدومها علي الابن أو الابنة وعدم مناداتها باسمها مجردا وعدم السير أمامها وألا يسمع حديث زوجته علي أمه لأن الأم لها حقوق وللزوجة حقوق والحقوق متباينة, فحقوق أمه أعلي من حقوقا زوجته ومن هنا نهي الإسلام عن أن يشبه الرجل زوجته بأمه إلا عن طريق الإحترام.
عقوق الوالدين أشد
وشدد الدكتور محمود علي أن الابن ليس له من حقوق علي والدته غير أربعة حقوق ولكن عقاب عقوق الأم أشد والدليل علي ذلك قصة الصحابي علقمة والذي كاد غضب أمه عليه يحجب لسانه عن النطق بالشهادتين موضحا أنه يجب علي كل شاب وفتاة أن يقدما روحهما فداء للأم في أي وقت ولحظة وجلب المصلحة والمنفعة لهما حتي لو كانت علي غير الدين وذلك لما تجرعته من آلام وما طلبته من عيش ووئام لأولادها فمن ثم يجب ألا يتضجر أي إنسان من والدته ومن معاناة ضررها بل يحملها ولو علي كتفيه لو طلب منه ذلك والدليل علي ذلك أن ابن عمر رضي الله عنهما رأي رجلا يطوف بأمه حول الكعبة وهو يحملها علي كتفيه فقال لابن عمر هل أديت حق أمي فقال بن عمر لا والله ولا بآهة من آهاتها إذ حملت ووضعت لذا قال رسول اللهصلي الله عليه وسلم في معني الحديث الذي روي عنه لايستطيع الإنسان أن يبر بأمه ولايوفيها حقها إلا إذا وجدها أمة فأعتقها في سبيل الله.
أما بالنسبة لقيام بعض الشباب والفتيات من التضجر من أمهاتهم والإلقاء بهن في دور المسنين قال الدكتور محمود أن الإسلام دين الأدب والوقار ويأبي أن يكون هناك عامل هدم لبناء شامخ فاذا مافضل المرء نفسه بنزواتها وشهواتها وقام بوضع أمه في إحدي دور المسنين من أجل الإرتياح منها فهذا جرم كبير ويعتبر هذا الشخص من العاقين وأنه يجب أن لاتوضع في دور المسنين إلا من فقدت أبناءها وعشيرتها بمعني أن تكون المرأة مجردة من كل قريب وتساءل قائلا هل يكون معقولا أن ينام الإنسان في شقة فارهة وأمه ملقاة في دار أخري وتخدم من أشخاص آخرين ربما لا يهتمون بها موضحا أن هذه النظرية دخيلة علي الإسلام ولاتمت له بصلة من قريب أو بعيد.
شيء فيه بشاعة وفظاعة
وأعاب علي الذين يفعلون ذلك لأنه شيء فيه بشاعة وفظاعة وغلظة وكذلك الذين يحتفلون بعيد الأم لأن الأم ليس لها عيد معين ولكن كل أيامها أعياد وأن هذا يعتبر من البدع الذي حرمها الإسلام ولكن من الممكن أن نسميها مواسم مع العلم بأنها عادة غربية.
وفجر الدكتور محمود شيئا خطيرا بقوله أن الإحتفال بما يسمي بعيد الأم يجر بلاء علي من فقد أمه فيتحول هذا اليوم في بعض البيوت الي أفراح والبعض الآخر إلي أتراح وأحزان الأمر الذي أدي إلي قيام بعض الفتيات بإرتداء الملابس السوداء لأنهن يتذكرن أمهاتهن في هذا اليوم.
وطالب الدعاة الذين يحتفلون بهذا اليوم بقراءة الكتاب والسنة وتاريخ السلف وأن يتفهموا الإسلام ويبتعدوا عن أعياد البشرية لأن البشر يخطئون ويصيبون ويجرون الوبال علي من ليس له أم( كالأيتام)
رحيمات بالأبناء
وعلق الدكتور صبري عبدالرءوف الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية للبنات بجامعة الأزهر قائلا أن الله سبحانه وتعالي جعل الأمهات رحيمات بالأبناء عطوفات شفيقات وإلا لما كانت الأم تتحمل مشقة الحمل والرضاع وتربية الأبناء وسهر الليالي من أجل راحة الأبناء ولهذا كان حق الأم مقدما علي حق الأب في البر ولهذا حينما جاء رجل إلي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) قائلا له يا رسول الله من أحق الناس بحسن صاحبتي قال أمك قال ثم من؟ قال أمك قال؟ ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك ولهذا كان علي الإنسان أن يكون بارا بأمه وأن يقابل الحسنة بمثلها إن لم يكن أكثر
وأوضح أن هذا اليوم مناسبة لكي يتذكر كل إنسان أمه التي أرضعته وشملته بعطفها وحنانها وغذته من لبنها بل عليه أن يتذكر حال الأم حينما سهرها ليلها وأقلقها نهارها وفي نفس الوقت كانت الأم تحنو وتعطف وتظل كذلك دائما وأبدا والله سبحانه وتعالي يقول( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) مؤكدا أنه من الواجب علي كل إنسان ذكرا أو أنثي أن يبر أمه ويحسن معاملتها ويدخل السعادة والسرور علي قلبها وإن كان البعض يقول أنه ليس هناك مايسمي بعيد الأم وأن الإحتفال به بدعة فهذا صحيح ولكن تكريم الإنسان لأمه يوما واحدا في العام هو عين البدعة لأن الواجب هو تكريمها في كل يوم بل كل لحظة من اللحظات.
تشعر بحنانها
واستطرد قائلا أنه ينبغي أن لا تمر لحظة من غير أن يحتفي الإنسان بأمه ويشعرها بحنانه كبيرا كما كانت تشعره بحنانها صغيرا محذرا من عقوق الوالدين ولهذا قال( عليه الصلاة والسلام).
كل الذنوب يؤخر الله عقوبتها إلي يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإن الله يعجل به لصاحبه في الدنيا). وكان الواجب علي الدعاة والخطباء أن يذكروا الناس دائما بهذا البر كما روي أن الرسول( صلي الله عليه وسلم) كان يعظ اصحابه بين الحين والحين.. وخاطب د. صبري الدعاة بقوله يا دعاة اليوم استيقظوا وافيقوا من نومكم وانظروا إلي ما وصل إليه الحال من وضع الأمهات بدور المسنين إما لإرضاء الزوجة أو طلب الراحة من الأم التي تقدمت بها السن وكانت في أمس الحاجة إلي نظرة محبة من أبنائها وبناتها حتي نذكر الناس بما يجب أن يكون عليه بدلا من هذه القسوة التي انتشرت في مجتمعاتنا والتي أصبح المجتمع الإسلامي يقلد فيها المجتمع الأوروبي الذي لا يعرف معني الإنتماء الأسري وبر الوالدين
.
تقديم زوجته علي أمه
وأشار الدكتور عبد الرءوف إلي أنه لوحظ في زماننا هذا قيام بعض الناس بتقديم زوجته علي أمه بينما الواجب تقديم الأم علي الزوجة فالزوجة يمكن أن تعوض ويمكن للإنسان استبدالها لكن الأم لا تعوض ويستحيل استبدالها.
وأوضح أنه إذا كان البعض قد فقد أمه ففي مقدوره أن يبرها بصلة الرحم التي ما كانت توصل إلا بها وله أيضا أن يبرها بعد وفاتها بالدعاء لها وبالصدقة الجارية التي تعود عليها بالخير حتي بعد وفاتها لأن الرسول( صلي الله عليه وسلم) بين لنا أن الميت ترفع درجته فيقول يا ربي من أين لي هذه الدرجة فيقال له هذه بركة دعوة ولدك الصالح وكلمة الولد هنا عامة تشمل الذكور والإناث مؤكدا أن تكريم الأم ليس بالهدايا فحسب بل ربما بقبلة عطف وحنان بإبتسامة بكلمة رقيقة تدخل السعادة عليها فذلك لون من ألوان التكريم لأن البعض قد يتعلل بأن ظروفه لا تسمح له بشراء هدايا لضيق ذات اليد نقول له إن التعبير عن التكريم يكون بأي صورة من الصور والذي يعد خيرا من ألف هدية يقدمها الإنسان ويكفي أن الرسول( صلي الله عليه وسلم) قال( تبسمك في وجه أخيك صدقة فما بالنا إذا كانت هذه الإبتسامة موجهة للأم من أجل إسعادها حتي ينشرح قلبها بأبنائها وتشعر بالإعتزاز والتكريم من أبنائها وبناتها.
الأم هي المنبت
ومن جانبه أكد الدكتور بكر زكي رئيس قسم الدعوة بكلية أصول الدين جامعة الأزهر أن نظرة الإسلام تختلف في تكريم المسلم لأمه عن الحضارات الغربية وذلك لاعتبارات عدة:
أولها أن الأم هي المنبت الذي تربي الإنسان في داخله وتحمل من عبء التكوين ما لم يتحمل الرجل فإذا كان منشأ الوجود هو التخصيب من قبل الرجل فقط فإن التكوين لتسعة أشهر يعتمد علي الأم جملة وتفصيلا سواء توافر الطعام والشراب لها أم لا فالجنين يأخذ من مكونات أمه إن عجزت الأطعمة عن سد حاجته ولهذا فإن النص القرآني واضح الدلالة في قول الحق( حملته أمه وهنا علي وهن) وقوله أيضا( حملته أمه كرها).
وأضاف أن المرأة تعاني من آلام المخاض ما لم يعان الرجل وتتحمل من تبعات المولود ما لم يتحمل الأب بدءا بالرضاعة والتي تستغرق عامين من الزمن حال الوفاء بالرضاعة أو ما دون ذلك فهذا يعد سحبا لقدر من مكونات الجسد بالنسبة للأم وهذا يتطلب شكر هذه النعمة عند الإدراك.
شئ محسوس
وأوضح أن الإبن لا يدرك آلام الحمل ولا مشقة الرضاعة والرعاية عندما يبلغ أشده بل يبقي شيء من ذلك في الذاكرة في مرحلة الشباب وما بعدها بينما يري إنفاق الوالد شيئا محسوسا ملموسا لهذا حرص الإسلام علي أن يجعل الماضي في صورة الحاضر حينما تحدث عن حقوق الأم في القرآن في سورة البقرة في قوله: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلي المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده مشيرا إلي أن طبيعة المرأة فيها ضعف ولين وعطف ومثل ذلك لا يتأتي بالعنف ولهذا أوجب الإسلام البر بالأم بخاصة من باب هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ورأينا الرسول( عليه الصلاة والسلام) يقدم الأم علي الأب في البر مرات ثلاث رعاية لجانب الضعف فيها.
وذكر الدكتور بكر أن بر الأم ليس مقصورا علي زمن دون زمن وإنما هو فرض عين ما دبت الحياة في الإنسان موضحا أن الإبن ولدا أو بنتا لا يقدر علي الوفاء بحق أمه مهما بالغ في برها لأنها سبب من أسباب وجوده وقد يكون المولود سببا من أسباب وفاتها حال الحمل كما أن الإبن إذا أصابه مكروه فإن الأم تتمني له الشفاء طول العمر وتدعو ربها أن يأخذ من عمرها لعمره ومن صحتها لصحته علي النقيض من هذا لم نسمع أن ابنا دعا لأمه بأن يأخذ من عمره لعمرها وإذا ما اشتد بها الألم سأل الله أن يخفف عنه وعنها.
لن يكافيء أمه
وشدد علي أن الإبن ليس قادرا علي أن يكافيء أمه في حال التعارض أو الموازنات فالأم لا تستبدل بإبنها غيره إلا في حالات نادرة كأن تتزوج وتدعه بينما الإبن في كثير من الأحيان يقدم زوجته علي أمه وإذا تعارض العيش بينهما مجتمعتين فالبعض يفضل زوجته علي أمه وأن الأبناء لا يدركون بر الأم ومنزلتها وقد صرح الرسول( صلي الله عليه وسلم) لأحد الصحابة بقوله هل من والديك أحد حي فأخبره بحياة أمه فقال له إلزم قدميها فإن الجنة عندهما إذن فالأم باب من أبواب الجنة.
وقال اننا بحاجة إلي أن نحيي روح الإسلام في حياتنا وأن بر الأم يجلب بر الأبناء بعد ذلك وأن عقوقهما سيجلب عقوق الأبناء لا محالة آخذا بنص الحديث:( بروا آباءكم تبركم أبناؤكم مضيفا أن مسئولية الدعاة تتمثل في طرح قضية بر الوالدين في ضوء القرآن والسنة بشقيها الأدبي والمادي. كما صور ذلك القرآن الكريم وتصحيح المفاهيم حول نظرة الإسلام مقارنة بالحضارة الغربية حيث أن الإسلام لا يعرف البر لمدة زمنية معينة وكذلك لا يعرف إيداع الآباء والأمهات في دور المسنين وإرضاء الزوجة علي حساب الأم.
ولا يبقي إلا أن نقول لكل شاب وفتاة عليكم بأمهاتكم حتي تنالوا سعادة الدارين الدنيا والآخرة واحذروا عقوقهن.. لأن الله لا يكرم من كان قلب أمه غير راض عنه.. ولا تنسوا تلك المرأة التي كانت سببا من أسباب وجودك في الدنيا فكان بطنها لك وعاء.. وجوفها لك رداء.. وروحها لك فداء.. ولبنها لك غذاء.. وصدرها لك راحة من كل هم.. وقلبها لك نداء.. وعينها لك إهداء.. ويداها لك وقاية من كل بطش.. ولسانها لك دعاء.. بعد كل ذلك تقوم برد الجميل لها بتقديم الإساءة لها بأي صورة من الصور بيد أنه لا يعرف قيمة والدته حقا إلا من فقدها ويحس بأنه وحيد بعد هجر تلك السيدة له والتي كانت تحتضنه وقت الشدة وتجفف دموعه وتخفف آلامه وتقوي عزيمته.. فتذكر أيها الشاب أو الفتاة حينما كنت طفلا من الذي كان يعلمك ويسهر علي راحتك ولولاه لما وصلت إلي هذه الحالة التي أصبحت عليها.. ورحم الله الشيخ الشعراوي الذي قال إن الآباء لم يتزوجوا لينجبوا أبناء ولكنهم أنجبوا آباء يقومون علي رعايتهم في سن الشيخوخة لأن الأبوين يكونان كالأطفال في مرحلة الشيخوخة فيكون الأبناء لهم آباء.
فيا شباب وفتيات هذا العصر كونوا آباء لأبويكم كما كانا لكم.. واتقوا الله قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم
فااااااااااااااااااااااااااااااااعل خيررررررررررررررررررر