المفاتيح النفسية للتعامل مع الآخرين
كيف تؤثر نفسياً في الآخرين ؟
عندما نطرق هذا الباب " المفاتيح النفسية " نجد أنفسنا في هوة سحيقة ، وبين دروب
متعددة ومتشعبة . . ولكن رسولنا الكريم ــ صلى الله عليه وسلم ــ لم يترك خيراً إلاَّ ودلّنا عليه ،
ولم يترك أمراً إلا وبصرنا به . وترك لنا منهجاً نسير عليه وقنديلاً نستضيء به.
" تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً ، كتاب الله وسنتي " .
لذا فأن لزاماً علينا الاقتداء بالهدي النبوي في هذا المضمار . فقد وضح
لنا عليه الصلاة والسلام الطرق المثلى في حسن التعامل مع الآخرين ...
وكان أول هذه الطرق : ــ
( 1 ) الدعم الإيجابي والتشجيع الفوري لمن يقوم بعمل مميز مع المحافظة على نفسيته
وشعوره . وذلك يتمثل في قول المصطفى ــ صلى الله عليه وسلم ــ للمؤمنين الذين بايعوه
تحت الشجرة في بيعة الرضوان : " أنتم اليوم خير أهل الأرض " . رواه البخاري .
ولم تك هذه الكلمات مجرد مفردات بل غدت دستوراً تربوياً . وبقيت نبراساً خالداً يعلم
الأجيال المسلمين عامة ، والمربين والدعاة خاصة في كل عصر .
( 2 ) امتلاك فنُّ الانطباع الأول : لقد كان رسول صلى الله عليه وسلم يتعامل برقي وبلمسات
تربوية مع أتباعه رضوان الله عليهم أجمعين ، فيفهم نفسية كل فرد ، ويتعامل بناءً
على هذا الفهم النفسي ، وهو ما يعرف اليوم ( بالهندسة النفسية ) خاصة عند
اللقاء الأول ، وهو ما يسمونه بمهارة أو فن الانطباع الأول مع الأخر . وهي مرحلة :
( قدح شرارة الحب بين الآخرين ) . لقد كان ــ صلى الله عليه وسلم ــ يؤثر تأثيراً بالغاً فيمن
يلقاه أو يراه لأول مرة .
وانظر إن شئت إلى هذه اللفتة الحانية على لسان كعب بن مالك وروايته :
( ... فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس ، ورسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ــ معه جالس
فسلَّمنا ، ثمَّ جلسنا إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس : هل تعرف هذين
الرجلين يا أبا الفضل ؟ قال : نعم ! هذا البراء بن معرور سيِّد قومه ، وهذا كعب بن مالك.
قال : فوا لله ما أنسى قول رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ : الشاعر ؟ ! قال : نعم . ) .
مسند المكيين للإمام أحمد .
ولفتة أخرى : عندما علم رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ بمقدم عكرمة بن أبي جهل
مسلماً ؛ فأوصى أصحابه رضوان الله عليهم ، أن يراعوا مشاعر أخيهم . فقال :
" سيأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمناً مهاجراً فلا تسبوا أباه ، فإن السبََّّ يؤذي
الحيَّ ولا يصل إلى الميت ."
وقد أكدت الدراسات النفسية الحديثة أن الانطباع الأول يتكون خلال ثلاثين ثانية حتى قبل
النطق بكلمة ( مرحباً ) . ويقول ( فرانك بيرنيري ) أستاذ علم النفس بجامعة ( أوريجان ) :
إن الانطباع الأول عملية عاطفية غير واعية تحدث في ثوانٍ وتتعلق بالذاكرة
ومن الصعب تغييرها . ولذا فإنك أخي المعلم ، إذا أردت أن تجيد فن الانطباع
الأول عليك ما يلي : ــ
(1) اهتمَّ بالآخر ، وتفاهم معه .
(2) استخدم لغة الاتصال بالحواس : بالنظر بالعين ، والابتسامة في إظهار اهتمامك بالطرف الآخر .
(3) استمع له جيداً .
(4) اجعل معه ارتباطاً شخصياً بقليل من المعلومات حول شخصيتك .
(5) ركِّز جيداً في أي المواضيع يمكن التحدث معه فيها .
(6) الحبُّ في اللقاء روح الود بالترحاب وحرارة اللقاء .
(7) كن طبعياً ولا تتكلف .
(8) أعد ذكر اسم الآخر حين تتحدث معه وحبذا لو كنَّيتُه .
(9) كُن متبسماً دائماً وأنت تنظر إليه .
(10) أتقن فنَّ التعبير عن المشاعر .
(11) أشبع احتياجاته النفسية .
وهنا نطرح عليك سؤالاً : ما تأثير ابتسامتك الطيبة على الآخرين ؟
مما لا شك فيه ، أن لابتسامتك الكثير من الآثار النفسية والإنسانية الرائعة فهي: ــ
(1) المعروف المحقر : هو المعروف الذي نستهن به وبآثاره علينا وعلى الناس
جميعاً . " لا تحقرنَّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق " . رواه مسلم
فلَنُطْلِق وجوهنا لتنطلق بها قلوب الآخرين .
(2) الصدقة اليسيرة : وهي من أجمل وأيسر أبواب الخير والمعروف والصدقات .
" تبسمك في وجه أخيك صدقة " . رواه الترمذي .
(3) الباب الجميل للمغفرة : ــ قال الإمام علي رضي الله عنه : ــ " إذا اجتمع المسلمان
فتذاكرا غفر الله لأبشِّهما وجهاً " .
(4) الابتسامة من أعظم مفاتيح الرزق : تقول الحكمة الصينية المشهورة : ــ
" إن الرجل الذي لا يعرف كيف يبتسم لا ينبغي له أن يفتح متجراً " .
فالابتسامة خطوة على طريق النجاح في الحياة .
(5) من أجمل مفاتيح الجنَّة : ــــ قال صلى الله عليه وسلم : ــ " مَنْ لقي أخاه المسلم
بما يحب الله ليَسُره بذلك ، سرَّه الله عزَّ وجل يوم القيامة " . رواه الطبراني .
ولذا لزاماً أن تتمكن فيه الابتسامة .
(6)إن أول من يحتاج الابتسامة هو من لا يمنحها : ــ إنها تعني أولئك الذين يأخذون
ولا تفقر الذين يمنحون ولا يمنعون . إنها لا تضيع وقتاً فهي كلمح البصر .
لكن ذكراها يبقى طويلاً ... إنها شعاع الأ مل لليائس ، وأجمل عزاءٍ للمحزون ،
وأفضل ما في جعبة الطبيعة من حلول للمشكلات .
جرِّب نفسك إذا أردت قضاء مصلحة ما . ونظرت في وجوه الموظفين لمن
تتجه له لتسأله ، أجزم أنك ستتجه إلى من تجده مبتسماً باشاً .
وأجزم أنك لن تجرؤ من الاقتراب من المتجهم .
فليكن شعارك : ( أبتسمُ لإسعاد الآخرين ) .
المراجع : بتصرف /
مجلة البيان العدد 24 ــــ د. حمدي شعيب .
لا تحـــــــزن ـــ د. عائض القرني
يار يت نتحاور حول هذا الموضوع