وقفة مع بعض الخطاطين الأوائل :
الخطاط ابن مقلة :
لابد من ذكر جهود الوزير ابن مقلة وأخيه الخطاط أبي عبد الله الحسن، فهما اللذان تمَّت على أيديهما هندسة خطِّ النسخ والجليل وفروعه على الأشكال التي نعرفها الآن، وهما اللذان قدَّرا مقاييس الحروف وأبعادها وضبطاها ضبطاً جيداً وأنشأا لعلم الخطِّ القواعد المعروفة . وابن مقلة هو الوزير أبو علي محمد بن علي بن مقلة ولد ببغداد في شوال سنة 272 هجرية ، نشأ في أسرةٍ متواضعة الحال ذات فضلٍ وعلمٍ وفنٍّ، اشتُهر عميدها وبعض أبنائها بجودة الخطِّ ،ولقد وصلت أنواع الخطِّ في عصره إلى عشرين نوعاً إختصرها إلى ستة أنواعٍ رئيسيةٍ هي : الثلث ، النسخ ، التعليق ، الريحان ، المحقَّق ، الرقاع ، .. ولقد كتب ابن مقلة المصحف مرتين وله رسالتان في الخطِّ الأولى هي ( ميزان الخطِّ ) وهي موجودةٌ في مكتبة العطارين في تونس والأخرى هي ( رسالة في علم الخطِّ والقلم ) وهي موجودةٌ في دار الكتب المصرية .
الخطاط ابن البواب:
هو أبو الحسن علي بن هلال من أعاظم الخطاطين بالعربية وكان شيخه في الكتابة محمد بن أسد الكاتب ، لُقِّب بابن البواب لأنَّ أباه كان بوَّاباً لدى آل بويه ، أقام الخطَّ على قواعدَ جماليةٍ وخلق بعده مدرسةً في الخطِّ تجري على آثاره … ولم يُوجد في المتقدمين ولا في المتأخرين من كتب مثله ولا قاربه وإنْ كان ابن مقلة أول من نقل هذه الطريقة من خطِّ الكوفيين وأبرزها في هذه الصورة وبذلك كانت له أفضلية السبق ، كتب ابن البواب 64 مصحفاً وتوفي سنة 413 هجرية . وقد هذّب طريقة ابن مقلة ونقَّحها وكساها حلاوةً وبهجةً، فقد أكمل ابن البواب وتمَّم قلم التوقيع وأحكم قلم النسخ وحرَّر قلم الذهب وأتقنه ووشَّى الحواشي وزيَّنه وبرع في الثلث وخفيفه وأبدع في الرقاع والريحان وميَّز قلم المتن والمصاحف وكتب بالكوفي.
الخطاط ياقوت الرومــي :
هو جمال الدين ياقوت المستعصمي الطواشي البغدادي أحد مماليك الخليفة المستعصم بالله العباسي كنيته أبو الدرّـ وأبو المجد أصله من مدينة أماسية في بلاد الروم ، أخذ الخطَّ عن الكاتبة زينب وقلّد خطوط ابن البواب ومن تلاميذه نجم الدين البغدادي وعلم الدين سنجر ، توفي ياقوت في سنة 698هجرية ببغداد.
الخطاط البوصيري :
هو شرف الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد البوصيري (608-695)هـ صاحب البردة كان جيد الخطِّ و قد تعلَّم على يده أكثرُ من ألف طالبٍ .
--------------------------------------------------------------------------------
الخطاطون المتأخرون :
ومن أشهر هؤلاء الشيخ حمد الله الأماسي، وجلال الدين، ودرويش علي، والحافظ عثمان، وعبد الله زهدي، وهو الذي خطَّ بالقلم الجليل جدران المسجد النبوي الشريف، ومحمد مؤنس أفندي، وعلى يديه وعلى يدي تلميذه محمد جعفر بك تخرَّج جميع خطاطي مصر فيما بعد.
ومن أشهر الخطاطين في الحقبة الأخيرة: الشيخ عبد العزيز الرفاعي وسامي أفندي، وأحمد كامل، وهاشم محمد البغدادي، وحامد الآمدي، ومحمد عارف، وبدوي الديراني، وحسنى البابا.
لقد عاش الخطُّ العربي في مصر حقبةً تاريخيةً طويلةً . امتدت من 297 هـ إلى 917 هـ لاقى فيها هذا الفنُّ عنايةً فائقةً فانتشر على يد عفيف الدين وطبقته . وبرز الخطاط طبطب الذي يُنسب إليه تجويد مدرسة الخطِّ العربي في مصر خلال العصر الطولوني ثُمَّ ظهر بعد ذالك ابن أبي رُقيبة وشمس الدين الرفتاوي وابن الصايغ الذي أحبَّ طريقة عفيف الدين . وكان لهؤلاء أثرٌ بالغٌ في تطوير الخطِّ العربي.
وبعد هذه الفترة التاريخية عانت مصر كغيرها من البلدان العربية من تخلُّفٍ كان من نتائجها أنْ بسط الاستعمار نفوذه على البلاد وعمل جاهداً على طمس كلِّ ما هو حضاريٍّ وتراثيٍّ ؛ وكان منها هذا الفنُّ الجليل، غير أنَّ مصــراً أبت إلا أنْ تكون رائدةً باهتمامها بتراث الأمة الفنية . فعمدت سنة 1921م إلى استقدام الخطاطين البارزين من الأتراك لتعليم أبناء مصــر . وفتحت المدارس والمعاهد الخاصَّة بذلك،مما أدَّى إلى ظهور مجاميعٍ كبيرةٍ من الخطاطين المصــريين ممَّا أوجب الإشارة إلى أبرز المبدعين منهم والذين هم من خطاطي الفترة المتأخرة :
يوسف أحمد- غزلان بك- محمد حسني- محمد علي المكاوي – محمد إبراهيم- سيد إبراهيم .
--------------------------------------------------------------------------------
الخطاطون المعاصرون :
إنَّ تجويد الخطِّ العربي والدقَّة والكمال في الكتابة, ميدانٌ واسعٌ من ميادين الفنون الإسلامية اشتُهر فيه الكثير من الخطاطين في العصر الحديث ونذكر فيما يلي لمحةً موجزةً عن حياة عددٍ منهم :
الخطاط محمد أوزجاي :
ولد الخطاط محمد أوزجاي بمدينة جاي قره التابعة لولاية طرابزون بتركيا في صيف عام 1961م وتخرَّج عام 1986 من كلية الشريعة التابعة لجامعة أتاتورك بأرضروم ، وتعرَّف هناك على الخطاط فؤاد بشار عام 1982م فتعلَّم على يديه خطَّ النسخ ثُمِّ الثلث ، بعد ذلك تعرَّف على الدكتور مصطفى أوغور درمان فكان الدليل والمرشد له في هذا المجال .
كتب محمد أوزجاي ما يقارب الخمسين حلية نبوية شريفة حازت على إعجاب محبي الخطِّ العربي أينما جال بها في معارضه زيادةً في شرف كتابة المصحف الشريف الذي طُبع عدَّة مراتٍ ، وله مقتنياتٌ كثيرةٌ داخل تركيا وخارجها ، وطُبع العديد من أعماله ونُشر في الدوريات والتقاويم السنوية .
الخطاط إسماعيل حقي :
في عاشر ذي الحجة عام 1289هـ وفي محلة تعرف باسم 'قورو جشمة' في استنبول ولد الخطاط القدير أباً عن جد 'إسماعيل حقي' وكان والده تلميذاً لقاضي العسكر مصطفى عزت أفندي وعمل إسماعيل حقي بعد دراسة الرسم والنقش في ' مدرسة الصنايع النفسية ' موظفاً بقلم الديوان الهمايوني فتعلم فيه الخط الديواني والديواني الجلي والثلث الجلي والطغراء على يد الخطاط الأشهر سامي أفندي ، ثم أصبح كاتب الطغراء الثاني ، ثم الكاتب الأول .عمل بتدريس الزخرفة عقب صدور قانون أتاتورك بتغيير الحروف العربية إلى اللاتينية .ولُقب 'بآلتون بَزَرْ ' أي نقاش الذهب ، لتدريسه فن الزخرفة خارج الأسلوب التقليدي .وقد ترك إسماعيل حقي تراثاً غزيراً متميزاً - خاصة في الثلث الجلي والديواني والطغراء - وتشهد له بذلك الجوامع والقباب باستنبول .
الخطاط جلال أمين صالح :
ولد الخطاط جلال أمين صالح بالأردن عام 1946م ، وحصل على الليسانس في الجغرافيا ، وكذلك درجة الدبلوم في الخط العربي ، عمل بتدريس الخط سنوات عديدة وأقام المعارض الكثيرة في الرسم والخط العربي وله كتاب في الخط بعنوان 'مذكرات في الخط العربي' . عمل خطاطاً لإدارة المراسم الملكية بالمملكة العربية السعودية أثناء انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي الثالث بالطائف عام 1401هـ . فاز أكثر من مرة بالمسابقة العالمية للخط العربي التي تقام باستنبول في تركيا .
الخطاط بدوي الديراني :
ولد الخطاط السوري الكبير محمد بدوي الديراني عام 1894 بدمشق ، ودرس قواعد التعليق الذي اشتهر به وصار فيه صاحب مدرسة خاصة على يد الخطاط مصطفى السباعي ، ثم درس النسخ والثلث والرقعة والديواني على يد الأستاذ يوسف رسا ، كما درس الكوفي والديواني الجلي على يد الأستاذ ممدوح الشريف الذي صاحبه مدة سبعة عشر عاماً . له زيارات كثيرة إلى مصر واستنبول . وكان ورعاً في كتابة الخط ، فلم يكن يمتهنه أو يبذله لغير هدف أسمى وقد رفض أن يكتب الخط العربي داخل كنيسة مع كل الإغراءات ، وبذل أضعاف ثمن الكتابة ، لأنه كان يؤمن بأن الحرف العربي شريف ولا يكتب به ما لا يرضي الله عز وجل .توفي بدمشق في 25 يوليو 1967 م .
الخطاط مختار البابا :
ولد مختار البابا في بيروت عام 1938 ، تعلم أصول الخط على يد والده الخطاط كامل البابا ، وخرجت أوائل لوحاته في أوائل السبعينيات وأسلوبه تقليدي في توجهه الفني رغم تجربته في ( الحروفية ) التي حاول من خلالها استخراج مكامن الجمال في الحروف العربية التي يجعلها مزيجاً من التماثل الهندسي والتناسق اللوني ، وإلى جانب كونه فناناً فهو خبير خطوط بالمحاكم العدلية اللبنانية . شارك مختار البابا في كثير من الفعاليات التعليمية الهادفة لتطوير مهارات الكتابة العربية، لدى معلمي اللغة العربية طبع عدداً من الأمشق التدريبية لأساليب الكتابة الصحيحة للأطفال والناشئة، ويعمل حالياً معلماً للخط العربي واللاتيني في مدارس جمعية المقاصد كما أنه يعلم الخط والزخرفة العربية في مدرسة عبد الهادي الدبس التقنية. أقام مختار البابا عدة معارض فنية بالعالم العربي له مرسم فني في بيروت.
الخطاط مأمون صقّال:
مأمون صقّال سوري الأصل تلقى دروس الرسم والطباعة بمعهد حلب للفنون بسوريا ثم حصل على درجات علمية من جامعتي حلب وواشنطن.بدأ صقال الرسم في سن مبكرة جداً وتدرب على الأنماط الأوروبية، بعد ترحاله إلى أمريكا عام 1978أمضى وقتاً طويلاً في تعلم وفهم التراث والثقافة العربية، وشيئاً فشيئاً تحولت رؤيته من الفن الأوروبي إلى الفن العربي الإسلامي بدأ تجاربه باستخدام الخط بطريقة تشكيلي وذلك منذ منتصف الستينيات، ونفذ لوحات مائية مجردة مستفيداً من فهمه الذاتي ورؤيته الخاصة بالحرف العربي وتشكيلاته. أخذ في الآونة الأخيرة يستخدم الكومبيوتر لتنفيذ تصميمات خطية معتمدة على أشكال الحرف التقليدية وأصدر مجموعته الأولى من المقتطفات الكمبيوترية للتصميمات العربية عام 1992 والتي ستظل تجارة رائجة بسبب طبيعتها الكلاسيكية. دمج صقال في إنتاجه الأخير الحروف العربية بالقطع المعمارية للمباني التي ترجع إلى العصور الوسطى خاصة تلك القطع التي وجدت في مدينته حلب التي نشأ فيها، حاز صقال جوائز عديدة على إنتاجه الفني وأعماله التصميمية كان آخرها حصوله على المركز الأول في الخط الكوفي بالمسابقة العالمية الثالثة لفن الخط التي عقدت باستانبول في تركيا، بالإضافة لذلك فإن صقال يعمل بالتصميمات الداخلية المعمارية وإعمال الجرافيك بالإستديو الذي يملكه مدينة 'بوذل' بأمريكا ويحاضر في الفن الإسلامي بجامعة واشنطن.
الخطاط محمد عبد القادر:
ولد الأستاذ محمد عبد القادر بالقاهرة عام 1917م، بدأ تعلم فن الخط العربي بمدرسة خليل آغا على يد الأستاذ / محمد رضوان الذي كان مشرفاً فنياً على مدرسة تحسين الخطوط حينذاك. حصل على المراكز الأولى في سنوات دراسته كما نال المركز الأول بدبلوم الخطوط عام 1935 ومنح جائزة الملك السابق فؤاد وعمره ثمانية عشر عاماً. عمل خطاطاً بمصلحة المساحة، كان أول الجمهورية بدبلوم التخصص عام 1937م ومنح جائزة الملك السابق فاروق وعمره عشرون عاماً.عمل أستاذاً منتدباً بمدرسة تحسين الخطوط العربية بالجيزة، كذلك بكلية الفنون التطبيقية.منح وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.
توفي محمد عبد القادر بعد أن ترك أجيالاً من التلاميذ ما يزال عطاؤهم مستمراً بمدارس تحسين الخطوط العربية بمصر.
--------------------------------------------------------------------------------
العلوم المتعلقة بعلم الخط:
وإننا ونحن نسرد نبذة مختصرة عن علم الخط يهمنا أن ننبه إلى ماسماه بعض العلماء علوماً متعلقة بكيفية الصناعة الخطيّة.
فمن ذلك علم أدوات الخط : من القلم، وطريق بريه، وأحوال الشق والقط، ومن الدواة والمداد والكاغد. وقد ذُكر أنّ ابن البواب نظم في هذا العلم قصيدة رائية بليغة استقصى فيها أدوات الكتابة، أي معرفة كيفية نقش صور الحروف والبسائط، وكيف يوضع القلم، ومن أي جانب يُبدأ في الكتابة، وكيف يسهل تصوير تلك الحروف. ومن المصنفات في علم أدوات الخط (الباب الواحد) من كتاب صبح الأعشى.
ومن ذلك علم تحسين الحروف : الذي قيل عنه في كتاب (مدينة العلوم): هو علم يعرف منه تحسين تلك النقوش، وما يتعلق به من كيفية استعمال أدوات الكتابة وتمييز حسنها عن رديئها وأسباب الحسن في الحروف آلةً واستعمالاً وترتيباً، ومبنى هذا الفن الاستحسانات الناشئة من مقتضى الطباع السليمة وتختلف صورتها بحسب الإلف والعادة والمزاج، بل بحسب كل شخص، ولهذا لايكاد يوجد خطان متماثلان من كل الوجوه.
ومنها أيضاً علم كيفية تولد الخطوط: عن أصولها بالاختصار والزيادة، وغير ذلك من أنواع التغيرات... الخ.
ومن أهم علوم الخط علم ضبط المصحف الشريف الذي هو مجمع اهتمام الخطاطين جميعا، فللمصحف خط خاص حسبما اصطلح عليه الصحابة رضوان الله عليهم عند جمع القرآن على ما اختاره زيد بن ثابت وفي هذا العلم قصيدة (العقيلة) الرائية للشاطبي.
قال في الكشاف: وقد اتفقتْ في خط المصحف أشياءً خارجةً عن القياس، ثم ما عاد ذلك بضير ولا نقصان، لاستقامة اللفظ وبقاء الخط، وكان إتباع المصحف سنة لا تخالف...
وقال ابن درستويه في كتاب ( الكتّاب): خطان لا يقاسان: خط المصحف لأنه سنة، وخط العروض لأنه يثُبت فيه ما أثبته اللفظ ويسقط عنه ما أسقطه.
--------------------------------------------------------------------------------
تطور الخط العربي في كتابة المصحف الشريف:
المصحف الشريف له مكانة مقدسـة في نفوس المسلمين لما يتضمنه من كلام الله تعالى.. لهذا فقد لقي رعاية بالغة منهم عبر التاريخ من ناحية الشكل والخط والتزيين، فضلاً عن المواد المستخدمة في ذلك من صحف وعسب وورق ولخاف (بعض أنواع الحجارة ) وغير ذلك من مواد الكتابة وفنـون التجليد.
رحلة الخط العربي في أرقى مستوياتها عكسها وأشعها المصحف الشريف عبر العصور من خلال تنافس وتباري الخطاطين في كتابته ونسخه وإجادة خطه وهي تخلد ذكراهم وتقربهـم إلى الله تعالى.يرجع الفضل إلى الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في جمع المصحف الشريف من صدور الحفظة بعد استشهاد عدد كبير منهم في معركة اليمامة، واستجابة لاقتراح من عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال له: 'إن القتل قد استحرَّ بقراء القرآن يوم اليمامة، وإني أخشى أن يستحرِّ القتل بالقراء في المواطن كلها وأرى أن نأمر بجمع القرآن '
ولكن أبا بكر الصديق رضي الله عنه تردد في البدايـة خشية أن يفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد فترة شرح الله صدره لما اقترحه عمر بن الخطاب فكلّف زيد بن ثابت وقال له: ' إنك شاب عاقل لا نتهمك قد كنت تكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي فتتبع القرآن '.
يقول زيد بن ثابت: ' فتتبعت القرآن أنسخه من الصحف والعسب واللخاف وصدور الرجال. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ من ذلك '.
ومن هنا جُمع المصحف على صحائف من الرقّ متشابهة في الطول والعرض متفقة في النوع مرتبة بين دفتين بعد أن كان مدوناً على قطع كبيرة وصغيرة من العظم والعسب والألـواح واللخـاف.
كان شكل كتابة زيد بن ثابت بأن يترك فراغاً بين كل آية وأخرى أوسع قيلاً من الفراغ الذي كان يتركه بين كل كلمة وأخرى، كذلك كان يترك فراغاً أوسع قليلاً من الفراغ الذي كان يتركه بين كل سطرين متتاليين في حالة الفصل بين السـور وكان يستخدم الخط الجاف الذي يميل إلى التربيع أو الخط ذا الزوايا والخط اللين الذي يميل إلى الاستدارة وكان الخط الأول (الجاف) يستعمل عادة في الشـئون الهامة، بينما يستعمل الخط الثاني في الشئون اليومية العادية، وقد استخدمه الصحابة حينما كان يمليهم الرسول شيئاً من القرآن لسهولته ويسره، والراجح أنّ الخط الذي كتب به زيد بن ثابت صحائف أبي بكر كان من النوع الجاف الذي يمتاز بجلالته وفخامته، والذي تمثله المصاحف المكتوبة بالخط المعروف (الخط الحجازي) والتي وصلت إلينا تطوراً له في شـكل المصاحف المعروفـة.
بعد الفتوحات تعددت اللهجات وحدثت مشكلات من خلال تعدد المصاحف الأمـر الذي جعل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه يوحّد المصحف. ويكتب المصحف العثماني المتداول حتى الآن.
لقد حسـم عثمان بن عفان رضي الله عنه هذه القضية بعد استشارة الصحابة فأجمعوا على ضرورة نسخ القرآن نسخة موحدة منطلقة من صحف أبي بكر الصديق رضي الله عنه مكتوبة بلسان قريش تكون مرجعاً، ونسخ منها عدة نسخ وأرسل منها إلى الأمصار، أهل الشام ومصر والبصرة والكوفة ومكة واليمن، وأقرّ بالمدينـة مصحفاً، وهذه المصاحف يقال لها (المصاحف الأئمة )، وكلها بخط زيد بن ثابت، ويقال لها المصاحف العثمانية برغم أنها ليست بخط عثمان رضي الله عنه لكن ذلك نسبة إلى أمـره وعهـده.
وقـد أرسل عثمان بن عفان مع كل مصحف من المصاحف المرسلة إلى الأمصار إماماً قارئاً، فكان زيد بن ثابت مقرئ المصحف المدني، و عبد الله بن السائب مقرئ المصحف المكي، والمغيرة بن شهاب مقرئ المصحف الشامي، وأبو عبد الرحمن مقرئ المصحف الكوفي، وعامر بن عبد قيس مقرئ المصحف البصري،
ويرجّح أن هذه المصاحف كتبت بالخط المدني الذي كان في المدينة على الرقوق المصنوعة من الجلد حيث أجمع الصحابة على كتابة القـرآن على الـرقّ لطـول بقائه ولأنه الموجود عندهم حينئذٍ.
مصيـر المصـاحف الأئمـة: يـروي ابن كثير أنّ أشهر هذه المصـاحف بجامع دمشق شرقي المقصورة، وقد كان بمدينـة طبرية ثم نُقل إلى دمشق سنة ثماني عشرة وخمسمائة، وقد رآه ابن كثير (كتاباً عزيزاً جليلاً ضخماً بخطٍ حسن مبين قـوي بحبرٍ محكم في ورقٍ يظنـه من جلود الإبـل ).
بالنسبة للمصحف الذي كـان يقرأ فيه عثمان رضي الله عنه عندما قتل عام 35 هجري كان موجوداً في مطلع القرن الثالث الهجري كما يقول أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 222 هجري: 'رأيت المصحف الذي يقال له الإمام، مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، استُخرج لي من بعض خزائن الأمراء وهو المصحف الذي كان في حجـره حين أصيـب '.
--------------------------------------------------------------------------------