الخط العَرَبِي هو الفن الجميل للكتابة العربية التي ساعدت بنيتها وما
تتمتع به من مرونة وطواعية وقابلية للمد والرجع والاستدارة والتزوية
والتشابك والتداخل والتركيب، على ارتقاء الخط العربي إلى فن جميل يتميز
بقدرته على مسايرة التطورات والخامات. فتشكلت علاقة وثيقة بين كل نوع من
أنواعه والمواد التي يكتب بها أو عليها، فرأيناه لينًا ينساب برشاقة
وغنائية، ورأيناه صلبًا متزنًا يشغل حيزه بجلال يمتد إلى ما حوله، ورأينا
الصلابة واللين يتبادلان ويتناغمان فيه. وهو في كل أحواله يشدّ الناظر
ويمتعه بجمالياته الخاصة وتجريديته المتميزة التي عرفها بشكل مبكر وراقٍ،
مما جعل له مكانة خاصة بين الفنون التشكيلية.
والخط العربي يعتمد فنيًا وجماليًا على قواعد خاصة تنطلق من التناسب بين
الخط والنقطة والدائرة، وتُستخدم في أدائه فنيًا العناصر نفسها التي نراها
في الفنون التشكيلية الأخرى، كالخط والكتلة، ليس بمعناها المتحرك ماديًا
فحسب بل وبمعناها الجمالي الذي ينتج حركة ذاتية تجعل الخط يتهادى في رونق
جماليٍ مستقلٍ عن مضامينه ومرتبطٍ معها في آن واحد.
ومن خلال نمطيْه الأساسيين المنحني الطياش والهندسي اللذين ينفرد كل منهما
بجماليات خاصة، مع الزخارف المرافقة لهما، يستطيع الفنان إبداع نوع من
الإيقاع نتيجة التضاد بين الأجزاء والألوان، وما يحققه ذلك من إحساس بصري
بالنعومة والخشونة والتكامل الفني الناتج عن التوزيع الإيقاعي، مع تحقيق
الوحدة في العمل الفني ككل. ومن خصائصه أيضًا مخالفة الطبيعة، والتجريد
والاستطراد، ممّا يمنح الفنان الحرية اللازمة للتشكيل. وهذا ما ساعد
الفنانين العرب والمسلمين على استخدامه في تشكيل تحفهم على الخامات
المتنوعة كالمعادن والخزف والخشب والرخام والجص والزجاج والنسيج والورق
بأنواعه، بالإضافة إلى الروائع المعمارية، فكان الخط العربي قاسمًا
مشتركًا لكل الفنون العربية الإسلامية التي أعارها طابَعهُ الجمالي
المنطلق من التناسب بين الخط والنقطة والدائرة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]صفحة من مخطوطة من القرآن الكريم مكتوبة بالخط الكوفي عام 287هـ ، 900م.
وتعتبر نسخة فريدة لأنها كُتبت على ورق أزرق وكان الشائع حينئذ الكتابة
على ورق مصبوغ باللون الأصفر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]مخطوطة نادة للقرآن الكريم بخط جعفري التبريزي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]لوحة تعليمية كُتبت بخطي الثلث والنسخ عام 1303هـ، 1885م. كتبها الحاج حسن رضا ناقلاً عن حافظ عثمان.
الخط الموزون. تعود أصول الخطوط الموزونة إلى خط التقوير الذي كانت بداية
ارتقائه الفني في الشام بعد تعريب الدواوين في عهد الخليفة الأموي
عبدالملك بن مروان، واختراع نوع من الورق عرف بالقرطاس الشامي. وتُنسب
النقلة الأولى في هذا الارتقاء إلى قطبة المحرِّر، وهو ـ في الأغلب ـ أول
من أطلق عليه لقب محرِّر. ابتدع قطبة استخدام قلم الجليل في الكتابة على
قطع الطومار فصار يُسمى قلم الطومار أيضًا، واشتق منه ثلاثة أقلام أصغر
منه حدد عروضها بالنسبة إليه، ليكتب بها على قطوعٍ مختلفة من القرطاس تتفق
مع أهميتها الإدارية.
وفي أوائل العصر العباسي، طوّر كل من الضحاك بن عجلان الشامي ثم إسحق بن
حماد ما بدأه قطبة، فبلغ عدد الأقلام اثني عشر قلمًا، وأصبحت هناك مدرسة
للإبداع الخطي انتهت إلى إبراهيم السجزي (أو الشجري) الذي استحدث قلمين
أصغر من الطومار أطلق عليهما الثلثين والثلث (بالنسبة إلى الطومار)، وإلى
أخيه الكاتب الشاعر يوسف لقوة الذي استخرج قلمًا من النصف الثقيل عُرف
بقلم التوقيع طوّره الفضل بن سهل فيما بعد، وسماه القلم الرياسي، وهو
يتفرع إلى بضعة أقلام مثل نصف الرياسي والمحقَّق والمنثور والوشي والرقاع
والمكاتبات والنرجس والبياض.
أما النقلة الأهم بين نُقْلة قطبة المحرر ونُقْلة ابن مقلة، فقد تمَّت على
يد الأحْول المحرر وكان تلميذًا مبدعًا لإبراهيم السجزي، قام بترتيب
الأقلام الثقال بدءًا من الطومار، ثم الثلثين والسجلات، فالعهود
والمؤامرات ثم الأمانات والديباج، فالمدمج والمرصّع، ثم قلم النسّاخ.
وينسب إليه اختراع خفيف النصف وخفيف الثلث، والمسلسل، وغبار الحلية، وخط
المؤامرات، وخط القصص والحوائجي. وقد استخدمت المصادر التاريخية كلمة خط
بدءًا من بعض الأنواع التي ابتكرها بدلاً من كلمة قلم التي كانت سائدة
للدلالة على تسميات لقياسات مختلفة من الأقلام تتناسب استخداماتها وقطوع
الورق. وتنسب إلى قلم الطومار الذي حدّد عرضه بما يساوي أربعًا وعشرين
شعرة من ذيل الحصان التركي، فكان عرض قلم الثلثين 16 شعرة والثلث 8 شعرات،
وهكذا. ولم تكن أنواعًا بالمعنى المعروف ولكنهم استخرجوا منها الثقيل
والخفيف، وأكسبوها من خلال ذائقتهم الفنية وتراكم جهودهم خصائص مختلفة
ميّزت الخطوط الأصلية الموزونة التي برع فيها عدد من الخطاطين الأفذاذ،
كان من أبرزهم طبطب المحرر رأس المدرسة المصرية، وإسحاق بن إبراهيم
البربري أستاذ ابن مقلة ومؤلف تحفة الوامق أول كتاب أمكن تسجيله في الخط
العربي.
الخط المنسوب. كانت الخطوط الموزونة قد وصلت إلى درجة من التطور، فأصبح
لها نسب قياسية خاصة، وبلغ عدد أقلامها أربعة وعشرين قلمًا عندما ظهر
الخطاطان العبقريان الوزير أبو علي محمد بن مُقْلة ثم أخوه أبوعبدالله
الحسن بن مقلة اللذان نقلا الخط العربي نقلة فنية نوعية. لم تتفق المصادر
التاريخية حول من كان له الدور الأكبر فيها. وقد كانا على درجة عالية من
الدراية والتعمق والبراعة والتجويد، فتوصل أحدهما ـ أو كلاهما ـ في بدايات
القرن الرابع الهجري إلى تأليف ستة أنواع من الخطوط هي: الثلث والريحان
والتوقيع والمحقَّق والبديع والرقاع. وهنْدس أحدهما مقاييسها وأبعادها،
ووضع معايير لضبطها والوصول بها إلى صيغ جمالية محكمة، معتمدًا في ذلك على
العلاقة بين النقطة والدائرة والخط. فجعل حرف الألف الذي حدد طوله بعدد من
النقاط قطرًا لدائرة ونسب إليه الحروف جميعًا، فكانت هذه انطلاقة الخط
المنسوب الذي أبدع فيه عدد من الخطاطين طوال قرن من الزمن ليصل إلى محمد
بن السمسماني ومحمد بن أسد الكاتب البزاز البغدادي الذي نقل كتابًا عن ابن
مقلة، وكان هذان أستاذين تتلمذ عليهما الخطاط البغدادي المبدع أبو الحسن
علي بن هلال، ابن البواب.
درس ابن البواب خطوط ابن مقلة دراسةً معمقة مدققة استطاع بعدها أن يطور
أسلوبه والقواعد التي وضعها للخط المنسوب منتقلاً به إلى مرحلة أكثر رقيًا
وجمالاً عبر اصطفائه لأساليب تجمعها خصائص جمالية مشتركة؛ نقّحها وحوّلها
إلى طرق سار عليها فن الخط العربي قرونًا ثلاثة تالية، لتنتهي إلى زينب
بنت أحمد الإبري البغدادي الملقبة بشُهدة، التي يقال: إن ياقوت المستعصمي
تتلمذ عليها، ثم الموسيقي الشهير الخطاط صفي الدين عبدالمؤمن الأرموي
أستاذ أبي المجد جمال الدين ياقوت بن عبد الله المستعصمي.
دقق ياقوت المستعصمي خطوط ابن مقلة، وخطوط ابن البواب بشكل خاص، فوجد أن
القواعد التي أوصلا الخط المنسوب إليها متينة ومتماسكة من حيث مقاييسها
وأبعادها ومعاييرها الجمالية الهيكلية، ولكنها تحتاج إلى أسلوب أرقى في
الأداء يضيف إلى جمال هيكلها ونسبها جمالاً في تفاصيل حروفها وتناغم
أجزائها. فركز جهوده في هذا الاتجاه، وتوصل إلى اختراع طريقة غير مسبوقة
في بري القلم؛ فجعل شحمه أقل رهافة، وزاد من تحريف قَطّته مما شكل نقلة
جمالية كبرى في تجويد الأقلام الستة المنسوبة جميعًا، سرعان ما أعطت
ثمارها فانتشرت في مختلف المراكز الثقافية المنافسة لبغداد التي فقدت
ثقلها في توجيه مسيرة الخط العربي بعد سقوط الدولة العباسية ووفاة ياقوت.
كان خط النسخ قد شهد تطورًا كبيرًا في الشام منذ أواخر القرن الخامس
الهجري، وحظي بنصيب وافر من التجويد مع خط الطومار ومشتقاته. ونافست مصر
العراق في الاهتمام بالخط العربي منذ العصر الفاطمي؛ فطورت أنواعًا جديدة
من الكوفي، وواكبت مسيرة الخط المنسوب فيها مسيرته في العراق، وسابقتها في
تجويده، وتطور تدريسه فيها حتى أصبح له معلمون متخصصون متفرغون لتعليمه،
يعملون بناء على أسس محددة يمكن أن نرى مثالاً لها في كتاب العناية
الربانية في الطريقة الشعبانية لزين الدين شعبان بن محمد الآثاري. وقد أدى
هذا إلى تطور كبير في خطي الثلث والثلثين. وفي الوقت نفسه، ظهر وتطور في
فارس خط التعليق بعد أن حلَّت الحروف العربية محل الحروف الفهلوية في
كتابة اللغة الفارسية. وربما كان هذا الخط تطورًا عن خطي التوقيع والرقاع
تعود بداياته الأولى إلى أوائل القرن الرابع الهجري. وقد اكتسب خصائصه
المعروفة في القرن السابع الهجري، ليقوم خطاط مبدع في القرن التاسع الهجري
هو مير علي التبريزي بابتداع وتجويد خط متطور عنه سمي نسخ التعليق أو
نستعليق، يمتاز بالرقة والرشاقة والتناغم الجميل بين الرقة والغلظ في
كتابة حروفه ومدّاته، ووضع له نسبًا خاصة. وقد اشتهر باسمالخط الفارسي.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]كتابة أدعية مأثورة. نسخة نادرة ومشكولة كتبها ياقوت المستعصمي المتوفى في
بغداد سنة 698هـ، 1298م، على كاغد عربي سميك أصفر بخط الثلث المتقن.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]مصحف شريف. يعود إلى القرن الثامن الهجري، كُتب بخط النسخ في بيهار بالهند
وتظهر بعض تجاويف الحروف في نهاية الكلمات كأنها على شكل سيوف.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]مصحف شريف. كتبت الآيات بخط النَّسْخ، أما الشرح فبخط التعليق، وهي مزينة
بألوان متعددة ومزخرفة برسوم نباتية وأشكال جمالية، تعود إلى القرن الثاني
عشر للهجرة خط ثُلْث ونسْخ للخطاط محمد أوزجاي (جاي قره، 1383هـ، 1963م).
.