يقول عنه الدكتور حسين مؤنس عندما استقرت له الأمور في الاندلس:
: كان عبدالرحمن الداخل هو الذي وضع ذلك الأساس، لأنه كان في حاجة بالفعل إلي رجال يعتمد عليهم فهو غريب عن البلاد، لايعرف عن أهلها إلا القليل، ومن حسن الحظ أن هؤلاء الموالي جميعا تصاهروا مع أهل البلاد، فنشأت بيوتهم أندلسية في طبيعتها، ونشأ أولادهم أندلسيين في مزاجهم وعواطفهم، وأين كانوا عربا في روحهم وثقافاتهم، مسلمين أمناء في ديانتهم. وسيسير بنو أمية أنفسهم في ذلك الطريق.
سيتزوجون من أهل البلاد، وينبض في عروقهم الدم الأندلسي، وابتداء من أيام هشام بن عبدالرحمن، لاتتعجب عندما نعرف أن لغة الحديث في القصر والشارع وشئون الأسر والأسواق، كانت مزاجا من العربية والأسبانية، بينما كانت العربية لغة الدولة والدين والأدب والعلم والرسميات وقد صاحبت هذه الثنائية الثقافية الشعب الأندلسي علي طول تاريخه'.
ويقول عنه في موضع آخر من دراسته عنه:
: وقد قضي عبدالرحمن ما بقي من حكمه في هدوء نسبي، وانصرف إلي تنبيت دعائم دولته.
ومن الطريف أنه عندما استقر أمره بعث يستدعي بقايا بني أمية، ليستعين بهم في أمره، فأقبل إليه الكثيرون منهم، فعهد إليهم بمسئوليات كبري، ولكنه فوجيء بحسد الكثيرين منهم له، ورغبتهم في القضاء عليه فيئس من ناحيتهم. وهكذا تبين أن هذا الرجل العظيم، يلاقي نكران الجميل وانقلاب الرجال. مما جعله بعد ذلك يقتصر علي المخلصين من موالي بني أمية ومن انضم إليهم من أهل البلاد، ورجال الكور المجندة وهم من العرب.
وقد أنشأ عبدالرحمن إلي جانب ذلك قوة جديدة من الصقالية، وكان أمراء المسلمين والأوربيين في ذلك العصر يشترون أبناء الصقالية صغارا من بلاد نصرانية، ويربون في البلاد الاسلامية تربية اسلامية عربية، وينشأون جندا خالصا للإمارة ورجالها، وقد أصبحت هذه القوة مع الزمن عنصرا أساسيا من عناصر القوة السياسية والعسكرية للأندلس'.
***
وكان صقر قريش، رغم كل ما حققه من انتصارات ومن مجد شخصي، وما حققه من نهضة سجلتها كتب التاريخ بكل تقدير واحترام.. نجد أنه مع كل ذلك كان يحن إلي مهبط رأسه، ومرتع طفولته وصباه.. كان شديد الحنين إلي الشرق العربي، حتي أنه بعث إلي أخته في الشام يقول في أبيات في غاية العذوبة والرقة والتعبير عن المشاعر أيها الراكب الميمم أرضي.
أقر من بعضي السلام لبعضي
ابن جسمي كما تراه بأرض
وفؤادي ومالكية بأرض
قدر البين بيننا فافترقنا
وطوي البين عن جفوني غمض
قد قص الدهر بالفراق علينا
فعسي باجتماعنا سوف يقص
و.. ما أكثر جوانب العظمة في شخصية هذا الرجل الذي ترك ذكرا خالدا عريضا لايمكن أن تنساه ذاكرة الأيام.