كتاب : تحفة المودود بأحكام المولود
المؤلف : محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله ابن القيم الجوزية
تحفة المودود
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين الحمد لله العلي العظيم الحليم الكريم الغفور الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين أظهر خلق الإنسان من سلالة من طين ثم جعله نطفة في قرار مكين ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين ثم خلق العلقة مضغة وهي قطعة لحم بقدر أكلة الماضغين ثم خلق المضغة عظاما مختلفة المقادير والأشكال والمنافع أساسا يقوم عليه هذا البناء المبين ثم كسا العظام لحما هو لها كالثوب للابسين ثم أنشأه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين فسبحان من شملت قدرته كل مقدور وجرت مشيئته في خلقه بتصاريف الأمور وتفرد بملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور الشورى 49 وتبارك العلي العظيم الحليم الكريم السميع البصير العليم هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا اله إلا هو العزيز الحكيم آل عمران 3 وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له إلها جل عن المثيل والنظير وتعالى عن الشريك والظهير وتقدس عن شبه خلقه فليس كمثله شيء وهو السميع البصير وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمنيه على وحيه وحجته على عباده أرسله رحمة للعالمين وقدوة للعاملين ومحجة للسالكين وحجة على العباد أجمعين فهدى من الضلالة وعلم به من الجهالة وكثر به بعد القلة وأعز به بعد الذلة وأغنى به بعد العيلة وفتح برسالته أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة حتى وضحت شرائع الأحكام وظهرت شرائع الإسلام وعز حزب الرحمن وذل حزب الشيطان فأشرق وجه الدهر حسنا واصبح الظلام ضياء واهتدى كل حيران فصلى الله وملائكته وأنبياؤه ورسله وعباده المؤمنون عليه كما وجه الله وعرف به ودعا إليه وعليه السلام ورحمة الله وبركاته أما بعد فان الله سبحانه نوع أحكامه على الإنسان من حين خروجه إلى هذه الدار إلى حين يستقر في دار القرار وقبل ذلك وهو في الظلمات الثلاث كانت أحكامه القدرية جارية عليه ومنتهية إليه فلما انفصل عن أمه تعلقت به أحكامه الأمرية وكان المخاطب بها الأبوين أو من يقوم مقامهما في تربيته والقيام عليه فلله سبحانه فيه أحكام قيمه بها ما دام تحت كفالته فهو المطالب بها دونه حتى إذا بلغ حد التكليف تعلقت به الأحكام وجرت عليه الأقلام وحكم له بأحكام أهل الكفر وأهل الإسلام وأخذ في التأهب لمنازل السعداء أو دار الأشقياء فتطوى به مراحل الأيام والليالي إلى الدار التي كتب من أهلها ويسر في مراحله تلك لأسبابها واستعمل بعملها فإذا انتهى به السير إلى آخر مرحلة أشرف منها على المسكن الذي عمر له قبل إيجاده إما منزل شقوته وإما منزل سعادته فهناك يضع عصا السفر عن عاتقه ويستقر نواه وتصير دار العدل مأواه أو دار السعادة مثواه
فصل
وهذا كتاب قصدنا فيه ذكر أحكام المولود المتعلقة به بعد ولادته ما دام صغيرا من عقيقته وأحكامها وحلق رأسه وتسميته وختانه وبوله وثقب أذنه وأحكام تربيته وأطواره من حين كونه نطفة إلى مستقره في الجنة أو النار فجاء كتابا نافعا في معناه مشتملا من الفوائد على ما لا يكاد يوجد بسواه من نكت بديعة من التفسير وأحاديث تدعو الحاجة إلى معرفتها وعللها والجمع بين مختلفها ومسائل فقهية لا يكاد الطالب يظفر بها وفوائد حكمية تشتد الحاجة إلى العلم بها فهو كتاب ممتع لقارئه معجب للناظر فيه يصلح للمعاش والمعاد ويحتاج إلى مضمونه كل من وهب له شيء من الأولاد ومن الله أستمد السداد وأسأله التوفيق لسبل الرشاد انه كريم جواد وسميته
تحفة المودود بأحكام المولود
والله سبحانه المسؤول أن يجعله خالصا لوجهه الكريم انه حسبنا ونعم الوكيل وجعلته سبعة عشر بابا 1 - الباب الأول في استحباب طلب الأولاد 2 - الباب الثاني في كراهة تسخط ما وهب الله له من البنات 3 - الباب الثالث في استحباب بشارة من ولد له ولد 4 - الباب الرابع في استحباب الأذان والإقامة في أذنه 5 - الباب الخامس في استحباب تحنيكه 6 - الباب السادس في العقيقة وأحكامها وذكر الاختلاف في وجوبها وحجة التابعين 7 - الباب السابع في حلق رأسه والتصدق بزنة شعره 8 - الباب الثامن في ذكر تسميته ووقتها ووجوبها 9 - الباب التاسع في ختان المولود وأحكامه 10 - الباب العاشر في ثقب أذن الذكر والأنثى وحكمه 11 - الباب الحادي عشر في حكم بول الغلام والجارية قبل أكلهما الطعام 12 - الباب الثاني عشر في حكم ريق الرضيع ولعابه وهل هو طاهر أو نجس لأنه لا يغسل فمه مع كثرة قيئه 13 - الباب الثالث عشر في جواز حمل الأطفال في الصلاة وان لم يعلم حال ثيابهم 14 - الباب الرابع عشر في استحباب تقبيل الأطفال والأهل 15 - الباب الخامس عشر في وجوب تأديب الأولاد وتعليمهم والعدل بينهم 16 - الباب السادس عشر في ذكر فصول نافعة في تربية الأطفال 17 - الباب السابع عشر في أطوار الطفل من حين كونه نطفة إلى وقت دخوله الجنة أو النار الباب
الأول
في استحباب طلب الولد
قال الله تعالى فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم البقرة 187 فروى شعبة عن الحكم عن مجاهد قال هو الولد وقاله الحكم وعكرمة والحسن البصري والسدي والضحاك وأرفع ما فيه ما رواه محمد بن سعد عن أبيه حدثني عمي حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قال هو الولد وقال ابن زيد هو الجماع وقال قتادة ابتغوا الرخصة التي كتب الله لكم وعن ابن عباس رواية أخرى قال ليلة القدر والتحقيق أن يقال لما خفف الله عن الأمة بإباحة الجماع ليلة الصوم إلى طلوع الفجر وكان المجامع يغلب عليه حكم الشهوة وقضاء الوطر حتى لا يكاد يخطر بقلبه غير ذلك أرشدهم سبحانه إلى أن يطلبوا رضاه في مثل هذه اللذة ولا يباشروها بحكم مجرد الشهوة بل يبتغوا بها ما كتب الله لهم من الأجر والولد الذي يخرج من أصلابهم يعبد الله لا يشرك به شيئا ويبتغوا ما أباح الله لهم من الرخصة بحكم محبته لقبول رخصه فإن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته ومما كتب لهم ليلة القدر وأمروا أن يبتغوها لكن يبقى أن يقال فما تعلق ذلك بإباحة مباشرة أزواجهم فيقال فيه إرشاد إلى أن لا يشغلهم ما أبيح لهم من المباشرة عن طلب هذه الليلة التي هي خير من ألف شهر فكأنه سبحانه يقول اقضوا وطركم من نساءكم ليلة الصيام ولا يشغلكم ذلك عن ابتغاء ما كتب الله لكم من هذه الليلة التي فضلكم الله بها والله أعلم وعن انس قال كان رسول الله يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة رواه الإمام أحمد وأبو حاتم في صحيحة وعن معقل بن يسار قال جاء رجل إلى النبي فقال إنى أصبت امرأة ذات حسن وجمال وإنها لا تلد أفأتزوجها قال لا ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فقال تزوجوا الولود فإني مكاثر بكم رواه أبو داود والنسائي وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال أنكحوا أمهات الأولاد فإني أباهي بكم يوم القيامة رواه الإمام أحمد وعن عائشة قالت قال رسول الله النكاح من سنتي ومن لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة وقد روى حماد بن سلمة عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي قال إن العبد لترفع له الدرجة فيقول أي رب أنى لي هذا فيقول باستغفار ولدك لك من بعدك
فصل
ومما يرغب في الولد ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي حسان قال توفي ابنان لي فقلت لأبي هريرة سمعت من رسول الله حديثا تحدثناه تطيب به أنفسنا عن موتانا قال نعم صغارهم دعاميص الجنة يتلقى أحدهم أباه أو قال أبويه فيأخذ بناحية ثوبه أو يده كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا فلا يتناهى حتى يدخله الله وأباه الجنة وقال أحمد حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه أن رجلا كان يأتي النبي ومعه ابن له فقال له النبي أتحبه فقال يا رسول الله أحبك الله كما أحبه ففقده النبي فقال ما فعل ابن فلان قالوا يا رسول الله مات فقال النبي لأبيه أما تحب أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك عليه فقال رجل أله خاصة يا رسول الله أو لكلنا قال بل لكلكم قال أحمد وحدثنا عبد الله حدثنا عبد ربه بن بارق الحنفي حدثنا أبو زميل الحنفي قال سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله يقول من كان له فرطان من أمتي دخل الجنة فقالت عائشة رصي الله عنها بأبي أنت وأمي فمن كان له فرط فقال ومن كان له فرط يا موفقة قالت فمن لم يكن له فرط في أمتك قال فأنا فرط أمتي لم يصابوا بمثلي وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال للنساء ما منكن امرأة يموت لها ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابا من النار فقالت امرأة واثنان فقال واثنان وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة نحوه ورواه عن النبي ابن مسعود وأبو بزرة الأسلمي وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث فتمسه النار إلا تحلة القسم وفي صحيح البخاري من حديث أنس قال قال رسول الله ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال أتت امرأة بصبي لها فقالت يا نبي الله أدع الله له فلقد دفنت ثلاثة فقال دفنت ثلاثة قالت نعم قال لقد احتظرت بحظار شديد من النار فالولد انه إن عاش بعد أبويه نفعهما وان مات قبلهما نفعهما وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له فان قيل ما تقولون في قوله عز و جل وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا النساء 3 قال الشافعي إن لا تكثر عيالكم فدل على أن قلة العيال أولى قيل قد قال الشافعي رحمه الله ذلك وخالفه جمهور المفسرين من السلف والخلف وقالوا معنى الآية ذلك أدنى أن لا تجوروا ولا تميلوا فانه يقال عال الرجل يعول عولا إذا مال وجار ومنه عول الفرائض لأن سهامها إذا زادت دخلها النقص ويقال عال يعيل عيلة إذا احتاج قال تعالى وان خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء الله التوبة 28 وقال الشاعر وما يدري الفقير متى غناه ... وما يدري الغني متى يعيل أي متى يحتاج ويفتقر وأما كثرة العيال فليس من هذا ولا من هذا ولكنه من أفعل يقال أعال الرجل يعيل إذا كثر عياله مثل ألبن وأتمر إذا صار ذا لبن وتمر هذا قول أهل اللغة قال الواحدي في بسيطه ومعنى تعولوا تميلوا وتجوروا عن جميع أهل التفسير واللغة وروي ذلك مرفوعا روت عائشة رضي الله عنها عن النبي في قوله ذلك أن لا تعولوا قال أن لا تجوروا وروي أن لا تميلوا قال وهذا قول ابن عباس والحسن وقتادة والربيع والسدي وأبي مالك وعكرمة والفراء والزجاج وابن قتيبة وابن الأنبا ري قلت ويدل على تعين هذا المعنى من الآية وان كان ما ذكره الشافعي رحمه الله لغة حكاها الفراء عن الكسائي أنه قال ومن الصحابة من يقول عال يعول إذا كثر عياله قال الكسائي وهو لغة فصيحة سمعتها من العرب لكن يتعين الأول لوجوه أحدها أنه المعروف في اللغة الذي لا يكاد يعرف سواه ولا يعرف عال يعول إذا كثر عياله إلا في حكاية الكسائي وسائر أهل اللغة على خلافه الثاني أن هذا مروي عن النبي ولو كان من الغرائب فانه يصلح للترجيح الثالث أنه مروي عن عائشة وابن عباس ولم يعلم لهما مخالف من المفسرين وقد قال الحاكم أبو عبد الله تفسير الصحابي عندنا في حكم المرفوع الرابع أن الأدلة التي ذكرناها على استحباب تزوج الولود وأخبار النبي أنه يكاثر بأمته الأمم يوم القيامة يرد هذا التفسير الخامس أن سياق الآية إنما هو في نقلهم مما يخافون الظلم والجور فيه إلى غيره فإنه قال في أولها وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع النساء 4 فدلهم سبحانه على ما يتخلصون به من ظلم اليتامى وهو نكاح ما طاب لهم من النساء البوالغ وأباح لهم منه ثم دلهم على ما يتخلصون به من الجور والظلم في عدم التسوية بينهن فقال فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم النساء 4 ثم أخبر سبحانه أن الواحدة وملك اليمين أدنى إلى عدم الميل والجور وهذا صريح في المقصود السادس أنه لا يلتئم قوله فان خفتم ألا تعدلوا في الأربع فانكحوا واحدة أو تسروا ما شئتم بملك اليمين فان ذلك أقرب إلى أن لا تكثر عيالكم بل هذا أجنبي من الأول فتأمله السابع أنه من الممتنع أن يقال لهم إن خفتم أن ألا تعدلوا بين الأربع فلكم أن تتسروا بمائة سرية وأكثر فانه أدنى أن لا تكثر عيالكم الثامن أن قوله ذلك أدنى ألا تعولوا تعليل لكل واحد من الحكمين المتقدمين وهما نقلهم من نكاح اليتامى إلى نكاح النساء البوالغ ومن نكاح الأربع إلى نكاح الواحدة أو ملك اليمين ولا يليق تعليل ذلك بعلة العيال التاسع أنه سبحانه قال فان خفتم ألا تعدلوا ولم يقل وان خفتم أنا تفتقروا أو تحتاجوا ولو كان المراد قلة العيال لكان الأنسب أن يقول ذلك العاشر أنه سبحانه إذا ذكر حكما منهيا عنه وعلل النهي بعلة أو أباح شيئا وعلل عدمه بعلة فلا بد أن تكون العلة مصادفة لضد الحكم المعلل وقد علل سبحانه إباحة نكاح غير اليتامى والاقتصار على الواحدة أو ما ملك اليمين بأنه أقرب إلى عدم الجور ومعلوم أن كثرة العيال لا تضاد عدم الحكم المعلل فلا يحسن التعليل به
الباب الثاني
في كراهة تسخط البنات
قال الله تعالى لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما انه عليم قدير الشورى 49 50 فقسم سبحانه حال الزوجين إلى أربعة أقسام اشتمل عليها الوجود وأخبر أن ما قدره بينهما من الولد فقد وهبهما إياه وكفى بالعبد تعرضا لمقته أن يتسخط ما وهبه وبدأ سبحانه بذكر الإناث فقيل جبرا لهن لأجل استثقال الوالدين لمكانهن وقيل وهو أحسن إنما قدمهن لأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاء لا ما يشاء الأبوان فان الأبوين لا يريدان إلا الذكور غالبا وهو سبحانه قد أخبر أنه يخلق ما يشاء فبدأ بذكر الصنف الذي يشاء ولا يريده الأبوان وعندي وجه آخر وهو أنه سبحانه قدم ما كانت تؤخره الجاهلية من أمر البنات حتى كانوا يئدوهن أي هذا النوع المؤخر عندكم مقدم عندي في الذكر وتأمل كيف نكر سبحانه الإناث وعرف الذكور فجبر نقص الأنوثة بالتقديم وجبر نقص التأخير بالتعريف فإن التعريف تنويه كأنه قال ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم ثم لما ذكر الصنفين معا قدم الذكور إعطاء لكل من الجنسين حقه من التقديم والتأخير والله أعلم بما أراد من ذلك والمقصود أن التسخط بالإناث من أخلاق الجاهلية الذين ذمهم الله تعالى في قوله وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون النحل 58 59 وقال وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم الزخرف 17 ومن هاهنا عبر بعض المعبرين لرجل قال له رأيت كأن وجهي أسود فقال ألك امرأة حامل قال نعم قال تلد لك أنثى وفي صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا وضم إصبعيه وروى عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت جاءت امرأة ومعها ابنتان لها تسألني فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها فأخذتها فشقتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئا ثم قامت فخرجت هي وابنتاها فدخل رسول الله على تفيئة ذلك فحدثته حديثها فقال رسول الله من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار رواه ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عروة وهو في الصحيح والحديث في مسند أحمد وفيه أيضا من حديث أيوب بن بشير الأنصاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله لا يكون لأحد ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان فيتقي الله فيهن ويحسن إليهن إلا دخل الجنة ورواه الحميدي عن سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن أيوب بن بشير عن سعيد الأعشى عن أبي سعيد عن النبي من كان له ثلاث بنات أو أخوات أو بنتان أو أختان فأحسن صحبتهن وصبر عليهن واتقى الله فيهن دخل الجنة وقال محمد بن عبد الله الأنصاري عن ابن جريج حدثني أبو الزبير عن عمر بن نبهان عن أبي هريرة أن رسول الله قال من كان له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن وعلى ضرائهن دخل الجنة وفي رواية فقال رجل يا رسول الله واثنتين قال واثنتين قال يا رسول الله وواحدة قال وواحدة وقال البيهقي حدثنا أحمد بن الحسن حدثنا الأصم حدثنا الحسن بن مكرم حدثنا عثمان بن عمر أنبأ النهاس عن شداد أبي عمار عن عوف بن مالك أن رسول الله قال من كان له ثلاث بنات ينفق عليهن حتى بين أو يمتن كن له حجابا من النار وقال علي بن المديني حدثنا يزيد بن زريع حدثنا النهاس بن قهم حدثنا شداد أبو عمار عن عوف بن مالك الأشجعي قال قال رسول الله ما من عبد يكون له ثلاث بنات فينفق عليهن حتى يبن أو يمتن إلا كن له حجابا من النار فقالت امرأة يا رسول الله وابنتان قال وابنتان قال وقال أبو عمار عن عوف بن مالك قال قال رسول الله أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين في الجنة وروى فطر بن خليفة عن شرحبيل بن سعد عن ابن عباس قال قال رسول الله ما من مسلم يكون له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبهما وصحبتاه إلا أدخلتاه الجنة وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ابن المنكدر أن النبي قال من كان له ثلاث بنات أو أخوات فكفهن وآواهن وزوجهن دخل الجنة قالوا وابنتان قال وابنتان حتى ظننا أنهم لو قالوا أو واحدة قال أو واحدة هذا مرسل وقال عبد الله بن المبارك عن حرملة بن عمران قال سمعت أبا عشانة قال سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول سمعت رسول الله يقول من كانت له ثلاث بنات فصبر عليهن فأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجابا من النار رواه الإمام أحمد في مسنده وقد قال تعالى في حق النساء فان كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا النساء 19 وهكذا البنات أيضا قد يكون للعبد فيهن خير في الدنيا والآخرة ويكفي في قبح كراهتهن أن يكره ما رضيه الله وأعطاه عبده وقال صالح بن أحمد كان أبي إذا ولد له ابنة يقول الأنبياء كانوا آباء بنات ويقول قد جاء في البنات ما قد علمت وقال يعقوب بن بختان ولد لي سبع بنات فكنت كلما ولد لي ابنة دخلت على أحمد بن حنبل فيقول لي يا أبا يوسف الأنبياء آباء بنات فكان يذهب قوله همي
الباب الثالث
في استحباب بشارة من ولد له ولد وتهنئته
قال الله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم أوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت فبشر ناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب إلى قوله فلما ذهب عن إبراهيم الروع جاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط هود 69 74 وقال تعالى في سورة الصافات فبشرناه بغلام حليم الصافات 101 وقال في الذاريات وبشروه بغلام عليم الذاريات 28 وقال في سورة الحجر ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون الحجر 57 - 52 وقال تعالى يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا مريم 7 وقال فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا آل عمران 39 ولما كانت البشارة تسر العبد وتفرحه استحب للمسلم أن يبادر إلى مسرة أخيه وإعلامه بما يفرحه0 ولما ولد النبي بشرت به ثويبة عمه أبا لهب وكان مولاها وقالت قد ولد الليلة لعبد الله ابن فأعتقها أبو لهب سرورا به فلم يضيع الله ذلك له وسقاه بعد موته في النقرة التي في أصل إبهامه فان فاتته البشارة استحب له تهنئته والفرق بينهما إن البشارة إعلام له بما يسره والتهنئة دعاء له بالخير فيه بعد أن علم به ولهذا لما أنزل الله توبة كعب بن مالك وصاحبيه ذهب إليه البشير فبشره فلما دخل المسجد جاء الناس فهنؤوه وكانت الجاهلية يقولون في تهنئتهم بالنكاح بالرفاء والبنين والرفاء الالتحام والاتفاق أي تزوجت زواجا يحصل به الاتفاق والالتحام بينكما والبنون فيهنؤون بالبنين سلفا وتعجيلا ولا ينبغي للرجل أن يهنىء بالابن ولا يهنىء بالبنت بل يهنىء بهما أو يترك التهنئه ليتخلص من سنة الجاهلية فان كثيرا منهم كانوا يهنئون بالابن وبوفاة البنت دون ولادتها وقال أبو بكر بن المنذر في الأوسط روينا عن الحسن البصري أن رجلا جاء إليه وعنده رجل قد ولد له غلام فقال له يهنك الفارس فقال له الحسن ما يدريك فارس هو أو حمار قال فكيف نقول قال قل بورك لك في الموهوب وشكرت الواهب وبلغ رشده ورزقت بره والله اعلم
الباب الرابع
في استحباب التأذين في أذنه اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى
وفي هذا الباب أحاديث أحدها ما رواه أبو عبد الله الحاكم حدثنا أبو جعفر محمد بن دحيم حدثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة حدثنا عبيد الله بن موسى أنا سفيان بن سعيد الثوري عن عاصم بن عبيد الله أخبرني عبيد الله بن أبي رافع عن أبي رافع قال رأيت رسول الله أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة رواه أبو داود والترمذي وقال حديث صحيح الثاني ما رواه البيهقي في الشعب من حديث الحسن بن علي عن النبي قال من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى رفعت عنه أم الصبيان والثالث ما رواه أيضا من حديث أبي سعيد عن ابن عباس أن النبي أذن في أذن الحسن بن علي يوم ولد وأقام في أذنه اليسرى قال وفي إسنادهما ضعف وسر التأذين والله أعلم أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثيره به وان لم يشعر مع ما في ذلك من فائدة أخرى وهي هروب الشيطان من كلمات الأذان وهو كان يرصده حتى يولد فيقارنه للمحنة التي قدرها الله و شاءها فيسمع شيطانه ما يضعفه ويغيظه أول أوقات تعلقه به وفيه معنى آخر وهو أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام وإلى عبادته سابقة على دعوة الشيطان كما كانت فطرة الله التي فطر عليها سابقة على تغيير الشيطان لها ونقله عنها ولغير ذلك من الحكم
الباب الخامس
في استحباب تحنيكه
وفي الصحيحين من حديث أبي بردة عن أبي موسى قال ولد لي غلام فأتيت به إلى النبي فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة زاد البخاري ودعا له بالبركة ودفعه ألي وكان اكبر ولد أبي موسى وفي الصحيحين من حديث انس بن مالك قال كان ابن لأبي طلحة يشتكي فخرج أبو طلحة فقبض الصبي فلما رجع أبو طلحة قال ما فعل الصبي قالت أم سليم هو أسكن مما كان فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها فلما فرغ قالت واروا الصبي فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله فأخبره فقال أعرستم الليلة قال نعم قال اللهم بارك لهما فولدت غلاما فقال لي أبو طلحة احمله حتى تأتي به النبي وبعثت به بتمرات فأخذه النبي فقال أمعه شيء قالوا نعم تمرات فأخذها النبي فمضغها ثم أخذها من فيه فجعلها في في الصبي ثم حنكه وسماه عبد الله وروى أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أسماء أنها حملت بعبد الله ابن الزبير بمكة قال فخرجت وأنا متم فأتيت المدينة فنزلت بقباء فولدته بقباء ثم أتيت رسول الله فوضعته في حجره فدعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله قالت ثم حنكه بالتمرة ثم دعا له وبرك عليه وكان أول مولود ولد في الإسلام للمهاجرين بالمدينة قالت ففرحوا به فرحا شديدا وذلك انهم قيل لهم إن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم وقال الخلال أخبرني محمد بن علي قال سمعت أم ولد أحمد بن حنبل تقول لما أخذ بي الطلق كان مولاي نائما فقلت له يا مولاي هو ذا أموت فقال يفرج الله فما هو إلا أن قال يفرج الله حتى ولدت سعيدا فلما ولدته قال هاتوا ذلك التمر لتمر كان عندنا من تمر مكة فقلت لأم علي إمضغي هذا التمر وحنكيه ففعلت والله أعلم
الباب السادس
في العقيقة وأحكامها وفيه اثنان وعشرون فصلا
1 - الفصل الأول في بيان مشروعيتها 2 - الفصل الثاني قي ذكر حجة من ذكرها 3 - الفصل الثالث في أدلة الاستحباب 4 - الفصل الرابع في الجواب عما أحتجوا به 5 - الفصل الخامس في اشتقاق اسمها ومن أي شيء أخذ 6 - الفصل السادس هل تكره تسميتها عقيقة أم لا 7 - الفصل السابع في ذكر الخلاف في وجوبها واستحبابها وحجج الفريقين 8 - الفصل الثامن في الوقت الذي تستحب فيه العقيقة 9 - الفصل التاسع في أنها افضل من الصدقة 10 - الفصل العاشر في تفاضل الذكر والأنثى فيها 11 - الفصل الحادي عشر في ذكر الغرض من العقيقة وحكمها وفوائدها واحياء سنة رسول الله 12 - الفصل الثاني عشر في أن طبخ لحمها أفضل من التصدق به نيئا 13 - الفصل الثالث عشر في كراهة كسر عظمها 14 - الفصل الرابع عشر في السن المجزىء فيها 15 - الفصل الخامس عشر في أنه لا يجزىء عن الرأس إلا الرأس و لا يصح اشتراك السبعة فيها في البدنه والبقرة 16 - الفصل السادس عشر هل تجزىء العقيقة بغير النعم من الابل والبقر 17 - الفصل السابع عشر في بيان مصرفها وما يتصدق به منها ويهديه واستحباب الهدية منها للقابلة 18 - الفصل الثامن عشر في حكم اجتماع العقيقة والأضحية وهل يجزىء أحدهما عن الآخر أم لا 19 - الفصل التاسع عشر في حكم من لم يعق عنه أبواه هل يعق عن نفسه إذا بلغ 20 - الفصل العشرون في حكم جلدها وسواقطها هل يجوز بيعه أم حكمه حكم الأضحية 21 - الفصل الحادي والعشرون فيما يقال عن ذبح العقيقة 22 - الفصل الثاني والعشرون في حكمة اختصاصها باليوم السابع والرابع عشر والحادي والعشرين الفصل الأول - في بيان مشروعيتها قال مالك هذا الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا وقال يحيى بن سعيد الأنصاري أدركت الناس وما يدعون العقيقة عن الغلام والجارية قال ابن المنذر وذلك أمر معمول به بالحجاز قديما وحديثا يستعمله العلماء وذكر مالك أنه الأمر الذي لا اختلاف فيه عندهم قال وممن كان يرى العقيقة عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعائشة أم المؤمنين وروينا ذلك عن فاطمة بنت رسول الله وعن بريدة الأسلمي والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والزهري وأبي الزناد وبه قال مالك وأهل المدينة والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وجماعة يكثر عددهم من أهل العلم متبعين في ذلك سنة رسول الله وإذا ثبتت السنة وجب القول بها ولم يضرها من عدل عنها قال وأنكر أصحاب الرأي أن تكون العقيقة سنة وخالفوا في ذلك الأخبار الكائنة عن رسول الله وعن أصحابه وعمن روي عنه ذلك من التابعين انتهى الفصل الثاني - في ذكر حجج من كرهها قالوا روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله سئل عن العقيقة فقال لا أحب العقوق قالوا ولأنها من فعل أهل الكتاب كما قال النبي إن اليهود تعق عن الغلام ولا تعق عن الجارية ذكره البيهقي قالوا وهي من الذبائح التي كانت الجاهلية تفعلها فأبطلها الإسلام كالعتيرة والفرع قالوا وقد روى الإمام أحمد من حديث أبي رافع رضي الله عنه أن الحسن بن علي لما ولد أرادت أمه فاطمة أن تعق عنه بكبشين فقال رسول الله لا تعقي ولكن احلقي شعر رأسه فتصدقي بوزنه من الورق ثم ولد حسين بعد ذلك فصنعت مثل ذلك
الفصل الثالث - في أدلة الاستحباب
فأما أهل الحديث قاطبة وفقهاؤهم وجمهور أهل العلم فقالوا هي من سنة رسول الله واحتجوا على ذلك بما رواه البخاري في صحيحه عن سلمان بن عمار الضبي قال قال رسول الله مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى وعن سمرة قال قال رسول الله كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه رواه أهل السنن كلهم وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وعن عائشة قالت قال رسول الله عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة رواه الإمام أحمد والترمذي وقال حديث صحيح وفي لفظ أمرنا رسول الله أن نعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين رواه الإمام أحمد في مسنده وعن أم كرز الكعبية أنها سألت الرسول عن العقيقة فقال عن الغلام شاتان وعن الأنثى واحدة ولا يضركم ذكرانا كن أو إناثا رواه أحمد والترمذي وقال هذا حديث صحيح وقال الضحاك بن مخلد أنبأ أبو حفص سالم بن تميم عن أبيه عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي قال إن اليهود تعق عن الغلام ولا تعق عن الجارية فعقوا عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة ذكره البيهقي وعن ابن عباس أن رسول الله عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا رواه أبو داود والنسائي ولفظ النسائي بكبشين كبشين وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق قال الترمذي هذا حديث حسن غريب وعن بريدة الأسلمي قال كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران رواه أبو داود وروى ابن المنكدر من حديث يحيى بن يحيى أنبأنا هشيم عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه أن أبا بكرة ولد له ابنه عبد الرحمن وكان أول مولود ولد بالبصرة فنحر عنه جزورا فأطعم أهل البصرة وأنكر بعضهم ذلك وقال أمر رسول الله بشاتين عن الغلام وعن الجارية بشاة وعن الحسن عن سمرة أن النبي قال في العقيقة كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويدمى قال أبو داود فكان قتادة إذا سئل عن الدم كيف يصنع به قال إذا ذبحت العقيقة أخذت منها صوفة واستقبلت بها أوداجها ثم توضع على يافوخ الصبي حتى يسيل على رأسه مثل الخيط ثم يغسل رأسه ويحلق قال أبو داود وهذا وهم من همام بن يحيى يعني ويدمى ثم ساقه من طريق أخرى قال كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى قال أبو داود ويسمى أصح وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي حديث حسن صحيح وهذا الحديث قد سمعه الحسن من سمرة فذكره البخاري في صحيحه عن حبيب بن الشهيد قال قال لي ابن سيرين سئل الحسن ممن سمع حديث العقيقة فسألته فقال من سمرة بن جندب وقد ذكر البيهقي عن سلمان بن شرحبيل حدثنا يحيى بن حمزة قال قلت لعطاء الخرساني ما مرتهن بعقيقته قال يحرم شفاعة ولده وقال اسحق بن هانيء سألت أبا عبد الله عن حديث النبي الغلام مرتهن بعقيقته ما معناه قال نعم سنة النبي أن يعق عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة فإذا لم يعق عنه فهو محتبس بعقيقته حتى يعق عنه وقال الأثرم قال أبو عبد الله ما في هذه الأحاديث أوكد من هذا يعني في العقيقة كل غلام مرتهن بعقيقته وقال يعقوب بن بختان سئل أبو عبد الله عن العقيقة فقال ما أعلم فيه شيئا أشد من هذا الحديث الغلام مرتهن بعقيقته وقال حنبل قال أبو عبد الله ولا أحب لمن أمكنه وقدر أن لا يعق عن ولده ولا يدعه لأن النبي قال الغلام مرتهن بعقيقته وهو أشد ما روي فيه وإنما كره النبي من ذلك الاسم وأما الذبح فالنبي قد فعل ذلك وقال أحمد بن القاسم قيل لأبي عبد الله العقيقة واجبة هي فقال أما واجبة فلا أدري لا أقول واجبة ثم قال أشد شيء فيه أن الرجل مرتهن بعقيقته وقد قال أحمد في موضع آخر مرتهن عن الشفاعة لوالديه وأما قوله ويدمى فقد اختلف في هذه اللفظة فرواها همام عن يحيى عن قتادة فقال ويدمى وفسرها قتادة بما تقدم حكايته وخالفه في ذلك أكثر أهل العلم وقالوا هذا من فعل أهل الجاهلية وكرهه الزهري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق قال أحمد أكره أن يدمى رأس الصبي هذا من فعل الجاهلية وقال عبد الله بن أحمد سألت أبي عن العقيقة أيذبح ويدمى رأس الصبي أو الجارية فقال أبي ولا يدمى وقال الخلال أخبرني العباس بن أحمد أن أبا عبد الله سئل عن تلطيخ رأس الصبي بالدم فقال لا أحبه انه من فعل الجاهلية قيل له فان هماما كان يقول يدميه فذكر أبو عبد الله عن رجل قال كان يقول يسميه ولا أحب قول همام في هذا وأخبرنا أحمد بن هاشم الأنطاكي قال قال أحمد اختلف همام وسعيد في العقيقة قال أحدهما يدمى وقال الآخر يسمى وعن أحمد رواية أخرى أن التدمية سنة قال الخلال أخبرني عصمة بن عصام قال حدثنا حنبل قال سمعت أبا عبد الله في الصبي يدمى رأسه قال هذه سنة ومذهبه الذي رواه عنه كافة أصحابه الكراهية قال الخلال وأخبرني عصمة بن عصام في موضع آخر حدثنا حنبل قال سمعت أبا عبد الله يقول يحلق رأس الصبي وأخبرني محمد بن علي حدثنا صالح وأنبأ أحمد بن محمد ابن حازم حدثنا إسحاق كلهم يذكر عن أبي عبد الله قال الدم مكروه لم يرو إلا في حديث سمرة أخبرني محمد بن الحسين أن الفضل حدثهم أنه قال لأبي عبد الله فيحلق رأسه قال نعم قلت فيدمى قال لا هذا من فعل الجاهلية قلت فحديث قتادة عن الحسن كيف هو ويدمى فقال أما همام فيقول ويدمى وأما سعيد فيقول ويسمى وقال في رواية الأثرم قال ابن أبي عروبة يسمى وقال همام ويدمى وما أراه إلا خطأ وقد قال أبو عبد الله ابن ماجة في سننه حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب حدثنا عبد الله بن وهب حدثني عمرو بن الحارث عن أيوب بن موسى أنه حدثه عن يزيد بن عبد المزني أن النبي قال يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم وقد تقدم حديث بريدة كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران وقد روى البيهقي وغيره من حديث ابن جريج عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت كان أهل الجاهلية يجعلون قطنة في دم العقيقة ويجعلونه على رأس الصبي فأمر النبي أن يجعل مكان الدم خلوقا قال ابن المنذر ثبت أن النبي قال أهريقوا عليه دما وأميطوا عنه الأذى والدم أذى فإذا كان النبي قد أمرنا بإماطة الأذى عنه والدم أذى وهو من أكبر الأذى فغير جائز أن ينجس رأس الصبي بالدم
الفصل الرابع في الجواب عن حجج من كرهها
قال الإمام أحمد في رواية حنبل وقد حكي عن بعض من كرهها أنها من أمر الجاهلية قال هذا لقلة علمهم وعدم معرفتهم بالأخبار والنبي قد عق عن الحسن والحسين وفعله أصحابه وجعلها هؤلاء من أمر الجاهلية والعقيقة سنة عن رسول الله وقد قال الغلام مرتهن بعقيقته وهو - إسناد جيد - يرويه أبو هريرة عن النبي وقال في رواية الأثرم في العقيقة أحاديث عن النبي مسندة وعن أصحابه وعن التابعين وقال هؤلاء هي من عمل الجاهلية وتبسم كالمعجب وقال الميموني قلت لأبي عبد الله يثبت عن النبي في العقيقة شيء فقال أي والله غير حديث عن النبي عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة قلت له فتلك الأحاديث التي يعترض فيها فقال ليست بشيء لا يعبأ بها وأما أحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله قال لا أحب العقوق فسياق الحديث من أدلة الاستحباب فان لفظه هكذا سئل رسول الله عن العقيقة فقال لا أحب العقوق وكأنه كره الاسم فقالوا يا رسول الله إنما نسألك عن أحدنا يولد له ولد فقال من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة وأما حديث أبي رافع فلا يصح وقد قال الإمام أحمد في هذه الأحاديث المعارضة لأحاديث العقيقة ليست بشيء لا يعبأ بها وقد استفاضت الأحاديث بأن النبي عق عن الحسن والحسين فروى أبو أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا ذكره أبو داود وقد ذكر جرير بن حازم عن قتادة عن أنس أن النبي عق عن الحسن والحسين كبشين وذكر يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت عق رسول الله عن الحسن والحسين يوم السابع ولو صح قوله لا تعقي عنه لم يدل ذلك على كراهة العقيقة لأنه أحب أن يتحمل عنها العقيقة فقال لها لا تعقي عق هو وكفاها المؤنة وأما قولهم إنها من فعل أهل الكتاب فالذي من فعلهم تخصيص الذكر بالعقيقة دون الأنثى كما دل عليه لفظ الحديث فانه قال إن اليهود تعق عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة
الفصل الخامس في اشتقاقها ومن أي شيء أخذت
قال أبو عمرو فأما العقيقة في اللغة فذكر أبو عبيد عن الأصمعي وغيره أن أصلها الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد وإنما سميت الشاة التي تذبح عنه عقيقة لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح قال ولهذا قال أميطوا عنه الأذى يعني بذلك الشعر قال أبو عبيد وهذا مما قلت لك انهم ربما سموا الشيء باسم غيره إذا كان معه أو من سببه فسميت الشاة عقيقة لعقيقة الشعر وكذلك كل مولود من البهائم فإن الشعر الذي يكون عليه حين يولد عقيقة وعقة قال زهير يذكر حمار وحش أذلك أم أقب البطن جأب ... عليه من عقيقته عفاء قال يعني صغار الوبر وقال ابن الرقاع يصف حمارا تحسرت عقة عنه فأنسلها ... واجتاب أخرى جديدا بعدما ابتقلا قال يريد أنه لما فطم من الرضاع وأكل البقل ألقى عقيقته واجتاب أخرى قال أبو عبيدة العقيقة والعقة في الناس والحمر ولم يسمع في غير ذلك انتهى كلام أبي عبيد وقد أنكر الامام أحمد تفسير أبي عبيد هذا للعقيقة وما ذكره عن الأصمعي وغيره في ذلك وقال إنما العقيقة الذبح نفسه وقال ولا وجه لما قال أبو عبيد قال أبو عمرو واحتج بعض المتأخرين لأحمد بن حنبل في قوله هذا بأن ما قال أحمد من ذلك فمعروف في اللغة لأنه يقال عق إذا قطع ومنه عق والدية إذا قطعهما قال أبو عمرو ويشهد لقول أحمد بن حنبل قول الشاعر بلاد بها عق الشباب تمائمه ... وأول أرض مس جلدي ترابها يريد أنه لما شب قطعت عنه تمائه ومثل هذا قول ابن ميادة بلاد بها نيصت علي تمائمي ... وقطعن عني حين أدركني عقلي قال أبو عمرو وقول أحمد في معنى العقيقة في اللغة أولى من قول أبي عبيد وأقرب وأصوب والله أعلم انتهى كلام أبي عمرو وقال الجوهري عق عن ولده يعق عقا إذا ذبح يوم أسبوعه وكذلك إذا حلق عقيقته فجعل العقيقة لأمرين وهذا أولى والله أعلم وأما قوله في الحديث لا أحب العقوق فهو تنبيه على كراهة ما تنفر عنه القلوب من الأسماء وكان رسول الله شديد الكراهة لذلك جدا حتى كان يغير الاسم القبيح بالحسن ويترك النزول في الأرض القبيحة الاسم والمرور بين الجبلين القبيح اسمهما وكان يحب الاسم الحسن والفأل الحسن وفي الموطأ أن رسول الله قال للقحة من يحلب هذه فقام رجل فقال رسول الله ما اسمك فقال له الرجل مرة فقال له رسول الله اجلس ثم قال من يحلب هذه فقام رجل آخر فقال له رسول الله ما اسمك فقال حرب فقال له رسول الله اجلس ثم قال من يحلب هذه فقام رجل فقال له ما اسمك فقال يعيش فقال له النبي احلب رواه مرسلا في موطئه وأسنده ابن وهب في جامعه فقال حدثني ابن لهيعة عن الحارث ابن يزيد عن عبد الرحمن بن جبير عن يعيش الغفاري قال دعا النبي يوما بناقة فقال من يحلبها فقام رجل فقال ما اسمك قال مرة قال اقعد فقام آخر فقال ما اسمك قال جمرة قال اقعد ثم قام رجل فقال ما اسمك قال يعيش قال احلبها قال أبو عمر هذا من باب الفأل الحسن لا من باب الطيرة وعندي فيه وجه آخر وهو أن بين الاسم والمسمى علاقة ورابطة تناسبه وقلما يتخلف ذلك فالألفاظ قوالب للمعاني والأسماء أقوال المسميات وقل إن أبصرت عيناك ذا لقب ... إلا ومعناه إن فكرت في لقبه فقبح الاسم عنوان قبح المسمى كما أن قبح الوجه عنوان قبح الباطن ومن هاهنا والله أعلم أخذ عمرو بن الخطاب رضي الله عنه ما ذكره مالك أنه قال لرجل ما اسمك فقال جمرة فقال ابن من قال ابن شهاب قال ممن قال من الحرقة قال أين مسكنك قال بحرة النار قال بأيتها قال بذات لظى فقال عمر أدرك أهلك فقد احترقوا فكان كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد ذكر ابن أبي خيثمة من حديث بريدة كان رسول الله لا يتطير فركب بريدة في سبعين راكبا من أهل بيته من بني أسلم فلقي النبي ليلا فقال له النبي من أنت قال أنا بريدة فالتفت إلى أبي بكر وقال يا أبا بكر برد أمرنا وصلح ثم قال ممن قلت من أسلم قال لأبي بكر الآن سلمنا ثم قال ممن قال من سهم قال خرج سهمك ولما رأى سهيل بن عمرو مقبلا يوم صلح الحديبية قال سهل أمر كم وانتهى في مسيره إلى جبلين فسأل عن اسمهما فقال مخز وفاضح فعدل عنهما ولم يسلك بينهما وغير اسم عاصية بجميلة واسم أصرم بزرعة قال أبو داود في السنن وغير النبي اسم العاص وعزيز وعتلة وشيطان والحكم وغراب وشهاب فسماه هشاما وسمى حربا أسلم وسمى المضطجع المنبعث وأرض عفرة سماها خضرة وشعب الضلالة سماه شعب الهدى وبنو الزينة سماهم بني الرشدة وهذا باب عجيب من أبواب الدين وهو العدول عن الاسم الذي تستقبحه العقول وتنفر منه النفوس إلى الاسم الذي هو أحسن منه والنفوس إليه أميل وكان النبي شديد الاعتناء بذلك حتى قال لا يقل أحدكم خبثت نفسي ولكن ليقل لقست نفسي فلما كان اسم العقيقة بينه وبين العقوق تناسب وتشابه كرهه وقال إن الله لا يحب العقوق ثم قال من ولد له مولود فأحب إن ينسك عنه فليفعل الفصل السادس - هل تكره تسميتها عقيقة اختلفت فيه - فكرهت ذلك طائفة واحتجوا بأن رسول الله كره الاسم فلا ينبغي أن يطلق على هذه الذبيحة الاسم الذي كرهه قالوا فالواجب بظاهر هذا الحديث أن يقال لها نسيكة ولا يقال لها عقيقية وقالت طائفة أخرى لا يكره ذلك ورأوا إباحته واحتجوا بحديث سمرة الغلام مرتهن بعقيقته وبحديث سلمان بن عامر مع الغلام عقيقته ففي هذين الحديثين لفظ العقيقة فدل على الإباحة لا على الكراهة قال أبو عمر فدل ذلك على الكراهة في الاسم وعلى هذا كتب الفقهاء في كل الأمصار ليس فيها إلا العقيقة لا النسيكة قال على أن حديث مالك هذا ليس فيه التصريح بالكراهة وكذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إنما فيهما كأنه كره الاسم وقال من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل قلت ونظير هذا اختلافهم في تسمية العشاء بالعتمة وفيه روايتان عن الامام أحمد والتحقيق في الموضعين كراهة هجر الاسم المشروع من العشاء والنسيكة والاستبدال به اسم العقيقة والعتمة فأما إذا كان المستعمل هو الاسم الشرعي ولم يهجر وأطلق الاسم الآخر أحيانا فلا بأس بذلك وعلى هذا تتفق الأحاديث وبالله التوفيق الفصل السابع - في ذكر الخلاف في وجوبها واستحبابها وحجج الطائفتين قال ابن المنذر اختلفوا في وجوب العقيقة فقالت طائفة واجبة لأن النبي أمر بذلك وأمره على الفرض روينا عن الحسن البصري أنه قال في رجل لم يعق عنه قال يعق عن نفسه وكان لا يرى على الجارية عقيقة قال وروي عن بريدة أن الناس يعرضون على العقيقة يوم القيامة كما يعرضون على الصلوات الخمس قال اسحاق بن راهويه حدثنا يعلى بن عبيد قال حدثنا صالح بن حبان عن ابن بريدة عن أبيه أن الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلوات الخمس فقلت لابن بريدة وما العقيقة قال المولود يولد في الاسلام ينبغي أن يعق عنه وقال أبو الزناد العقيقة من أمر المسلمين الذين كانوا يكرهون تركه قال وروينا عن الحسن البصري أنه قال العقيقة عن الغلام واجبة يوم سابعه وقال أبو عمر وأما اختلاف العلماء في وجوبها فذهب أهل الظاهر إلى أن العقيقة واجبة فرضا منهم داود وغيره قالوا إن رسول الله أمر وعمل بها قال الغلام مرتهن بعقيقته ومع الغلام عقيقته وقال عن الجارية شاة وعن الغلام شاتان ونحو هذا من الأحاديث وكان بريدة الأسلمي يوجبها ويشبهها بالصلاة وكان الحسن البصري يذهب إلى أنها واجبة عن الغلام يوم سابعه فإن لم يعق عنه عق عن نفسه وقال الليث بن سعد يعق عن المولود أيام سابعه في أيها شاؤوا فإن لم يتهيأ لهم العقيقة في سابعه فلا بأس أن يعق عنه بعد ذلك وليس بواجب أن يعق عنه بعد سبعة أيام فكان الليث بن سعد يذهب إلى أنها واجبة في السبعة الأيام وكان مالك يقول هي سنة واجبة يجب العمل بها وهو قول الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور والطبري هذا كلام أبي عمر قلت والسنة والواجبة هند أصحاب مالك ما تأكد استحبابه وكره تركه فيسمونه واجبا وجوب السنن ولهذا قالوا غسل الجمعة سنة واجبة والأضحية سنة واجبة والعقيقة سنة واجبة وقد حكى أصحاب أحمد عنه في وجوبها روايتين وليس عنه نص صريح في الوجوب ونحن نذكر نصوصه قال الخلال في الجامع ذكر استحباب العقيقة وأنها غير غير واجبة أخبرنا سليمان بن الأشعث قال سمعت أبا عبد الله سئل عن العقيقة ما هي قال الذبيحة وأنكر قول الذي يقول هي حلق الرأس أخبرني محمد بن الحسين أن الفضل حدثهم قال سألت أبا عبد الله عن العقيقة واجبة هي قال لا ولكن من أحب أن ينسك فلينسك قال وسألت أبا عبد الله عن العقيقة أتوجبها قال لا ثم ذكر عن أحمد بن القاسم أن أبا عبد الله قيل له في العقيقة واجبة هي قال أما واجبة فلا أدري ولا أقول واجبة ثم قال أشد شيء فيه أن الرجل مرتهن بعقيقته وقال الأثرم قلت لأبي عبد الله العقيقة واجبة قال لا وأشد شيء روي فيها حديث الغلام مرتهن بعقيقته هو أشدها وقال حنبل قال أبو عبد الله لا أحب لمن أمكنه وقدر أن لا يعق عن ولده ولا يدعه لأن النبي قال الغلام مرتهن بعقيقته فهو أشد ما روي في العقيقة وقال الحارث سألت أبا عبد الله عن العقيقة واجبة هي عن الغني والفقير إذا ولد له أن يعق عنه قال أبو عبد الله قال الحسن عن سمرة عن النبي كل غلام رهينة بعقيقته حتى يذبح عنه يوم