التسطير والنسبة الذهبية عند الخطاط احمد الأسمر
عُد الخط العربي وسيلة شكلية
مرسومة لتأليف منظومة كلامية مقرؤة على أساس لغوي أبجدي يضم إليه نسقا من
الوحدات والرموز المستخدمة لأغراض وظيفية وجمالية تؤلف من كل ذلك نسقا
تدوينيا ذا طبيعة انسيابية مرسلة تتصل بعضها ببعض في كلمة واحدة لتشكل جملة
(نص ) وبالتالي تخلق إيقاعا حركيا ديناميكيا وبذلك يتم تحويل مسار الكتابة
من الواقع التدويني إلى الواقع الفني النوعي وفق اتجاهات تصميمية تعطي
للحروف ملامحها وأشكالها وخصائصها التي تحدد خصوبة بنائها الفني .
تعد الخصائص الفنية للحروف العربية التي تساعد على الكشف عن مواطن الجمال والخصوبة التي تتمتع بها الحروف العربية
وتتضافر
هذه الحروف بانتظامها في نسق واحد يؤدي إلى الكلمة ثم إلى المعنى وهنا
تصبح الحروف بمثابة المقدمة أو المنطلق الأول للوصول إلى المعنى , وذلك عن
طريق حرص الخطاط على أداء الشكل الفني للحرف العربي وفق أصوله وقواعده
المعروفة وحرصه على إظهار حروف جميلة وأنيقة ورشيقة ومتناسقة بمقياس الحرف
وذلك عبر مقومات بنائية مجتمعة أو منفردة عبر تشكيل تقني مرتبط بقواعد خطية
ثابتة وواضحة ضمن البناء الخطي الواحد . نلتمس ذلك من خلال السطر الكتابي
التسطير ( وهو خط مستقيم يربط بين نقطتين ليكون أساسا في استقرار الحروف
عليها , إذ يعد المرشد في سير اتجاه القلم ويحدده .
ويتجاوز
السطر في الخط العربي مفهومه الوظيفي في تكراره على صفحة المخطوط وتوزيع
الحروف واستيعاب الكلمات لكونه أساسا ترتكز عليه الحروف بانتظام فهو يحدد
وضع الحروف الصحيحة في وصلها وفصلها وتركيبها وتحديد هيئاتها ولا يمكن أن
تكسب الحروف خصائصها في ( الانتصاب والتسطيح والميل ) من دون علاقتها
الصحيحة بالسطر .
وهذا
يدل على إن هناك تسلسلا إيقاعيا في ترتيب الحروف والفراغات بطريقة تحقق
وظيفتها في عملية القراءة وتكسبها جمالا فنيا . فان لوضعية السطر الأفقي
دور في تسلسل الكلمات وانتظامها في الاتجاه الأفقي من اليمين إلى اليسار
ويبرز التأثير الهندسي لسطر الكتابة عندما تقسم الحروف في جميع إشكال
الخطوط حسب موقعها منه . فالمجموعة الأولى تقع فوق سطر الكتابة وتشمل جميع
الحروف المنتصبة , والمجموعة الثانية تقع مع مستوى سطر الكتابة وتشمل
الحروف المسطحة . والمجموعة الثالثة تشمل بقية الحروف مع اختلاف عدد
مواقعها بين خط وآخر , إلا إن هذا التوزيع والتنويع في مواقع الحروف يشكل
بناء هندسيا متكاملا في طريقة اتصالها بعضها مع بعضها الآخر . كما يساعد في
ارتكاز بعض الحروف على كؤوس حروف أخرى . ويشكل ذلك المبادئ الأولية
للتكوين الخطي . فضلا عن سطر الكتابة الذي يرتكز عليه الحروف , فان هناك
سطورا أخرى ذات أهمية في انتظام الخطوط العربية ( بوجود خطين متوازيين من
أعلى وأسفل تحكم بداخلها الحروف وتشترك في ذلك معظم الخطوط ).
فالخط
الأعلى يكون مع بداية رؤوس الحروف الصاعدة ( المنتصبة ) أما الخط الأسفل
فيكون مع نهاية جميع الحروف النازلة . أما الحروف المقوسة والملفوفة
والممدودة فتشترك بخط وهمي ما بين الخطين يطلق عليه ( خط القاعدة ) وتبرز
أهمية هذه الخطوط الوهمية في ربط أجزاء التراكيب الخطية مع بعضها لإنشاء
علاقة هندسية ذات تأثير مباشر في تحديد نسبها .
تأسيسا
على ما تقدم ولتوضيح ما ورد أعلاه , نأخذ لوحة لخطاط عربي فلسطيني مبدع
معاصر شارك في عدة معارض ومهرجانات عربية وعالمية وحاز على إعجاب وتقدير
لأعماله الخطية . انه الخطاط احمد نافذ الأسمر .
ويتضمن
نص اللوحة الآية الكريمة (( إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ
وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي
نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ
تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )) .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بشكل شريط كتابي بهيئة مستطيل هندسي , ويعد هذا النموذج نوعا متطورا عن
نموذج السطر الكتابي المرسل والسطر الكتابي المدموج , تظهر صعوبة هذا
النموذج في طريقة معالجة اشتباك الحروف الكثيف وتداخلها مع بعضها من دون
الإخلال بقيمة الحرف من الناحية الجمالية , أو الإخلال به من حيث الأسس
والقواعد الفنية , إذ تم استثمار خصائص الحروف المنتصبة والمنكبة
والمستلقية في إشغال مساحة التركيب من أعلاه إلى أسفله ويتضح ذلك في حركة
صعوده ونزوله وشماله ويمينه بصورة معقدة وكثيفة وذات حركة مستمرة تظهر في
مدات الحروف وإرسالها بانسيابية عالية في عملية تكوين شكل الكلمة الواحدة
أو من خلال تغيير مواقع الحرف أو المقطع من الكلمة الواحدة إلى موقع آخر أو
من كلمة إلى كلمة أخرى فيرتكز على مدة حرف آخر من كلمة أخرى وهذا ما
نلاحظه في حروف المقاطع للوحة .
فتولد
هذه العملية صعوبة فرز معاني الكلمات من حيث التسلسل القرائي الصحيح وتضع
المتلقي موضع الحيرة والبحث عن مضمون هذا الشريط وما يحتويه من ( نص ) لذلك
يتطلب منه عملية تفكير وبحث عن مقاطع الحروف والكلمات والتساؤل عن ماهية
الخطاط والغرض الذي يخلف هذا التعقيد . هذا ما يبغيه الخطاط في هذا التركيب
. فضلا عن الجانب الجمالي والتشكيلي الذي اتاح له الحرية التامة في عملية
تشكيل وتركيب واستحداث علاقة التكرار والتطابق الحاصل في رؤوس حروف ( الواو
والفاء ) وإحداث أنواع من الإيقاع المتناغم الذي نجد فيه الوحدة والتنوع
في حرف ( العين ) ، كما استثمر الخطاط خاصية تنصيل الحروف بغية توزيع ثقل
الكتل الخطية عليها ولتكون حلقة وصل أفقية لربط التركيب بشكل أفقي ويلاحظ
ذلك في حرف ( الياء ) الراجعة وارتكاز تراويس حروف ( الألفات ) عليها ،
واستخدام حرف ( الباء )المدغمة المبسوطة لتمركز الحروف عليها. ومن حيث
طريقة الخطاط في تحقيق الإغلاق الشكلي للشريط فعمل على توظيف كل من الحروف
وتوقيعه والعلامات الإعرابية ونقاط الحروف لتحقيق المحيط الكفافي للشكل .
كل تلك المفردات أدت إلى تحقيق الإغلاق الشكلي للتركيب وإخراجه قطعة
تشكيلية واحدة . اجتهد الخطاط بإخراج نظام تعدد مستويات الكتابة في الأشرطة
الخطية مستثمرا خصائص حروف خط الثلث وصفاته في إعطاء لوحة خطية تحمل صفات
الطابع التشكيلي المبني على مزاوجة الحروف العربية التي تحمل نصا قرآنيا
كريما وتشكيلا معقدا .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]أما
من جانب البناء الهندسي للوحة حسب قياسات النسبة الذهبية . فقد نجح الخطاط
بتنفيذها وفق قياسات دقيقة محسوبة بدقة حيث جعل تناسب أطوال الأشرطة دقيقا
(نسبة الطول كاملاً للجزء الكبير منه، مثل نسبة الجزء الكبير للصغير ) أي
بمعنى السطر الأول + البسملة إلى السطر الأول مثل السطر الأول إلى البسملة .
وكذلك السطر الأول + السطر الثاني إلى السطر الأول مثل السطر الأول إلى السطر الثاني .
ومما
زاد من جمالية البناء الهندسي للوحة الفضاء الأيمن والأيسر للسطر الثاني
حيث شكل كل منهما مستطيلا ذهبيا وفق قيم فيبوناتشي وهي 1 ، 1 ، 2 ، 3 ، 5 ،
8 ، 13 ، 21 ، 34 ، 55 ، 89 ، 144
فقسمة
كل رقم على الرقم إلي قبله نجد النتيجة 1.618 وهذا ما كان عليه المستطيلان
لو اقترضنا إن طول المستطيل (5) وحدات سيكون عرض المستطيل (3) وحدات ،
وناتج القسمة سيكون 1.618
حسابات الخطاط الهندسية حسب النسبة الذهبية حققت جمالا مضافا إلى التكوين الخطي للوحة .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]