الخط هو روح ومعنى وأخلاق .. فهو روح نابعة من أعماق القلم , ومعنى صادق متدفق من بنات أفكار الخطاط , وأخيراً هي أخلاق يجب أن يتحلى بها كل خطاط ... وأهمها التواضع .. أخوكم القلم الصادق
من ناحية أخرى، كان خط نسخ التعليق الفارسي يتطور بشكل تدريجي، عندما أتى الخطاط الشهير مير عماد الحسني في أواخر القرن العاشر الهجري فدرس هذا الخط، وارتقى به إلى درجة عالية من التناسق والجمال والرقة. وقام تلميذه درويش عبدي البخاري بنقل طريقته إلى إسطنبول، حيث أقبل الخطاطون على استخدامها في كتابة القطع الخطية، وقام محمد أسعد اليساري باشتقاق طريقة جديدة منه أقبل عليها كثير من الخطاطين، وخصوصًا جليّها الذي طوره الخطاط مصطفى عزت أفندي ابن اليساري، إلا أن خط التعليق التركي لم يرقَ إلى جماليات الفارسي، فلقد أهمل الأتراك الشكل التركيبي منه، وقللوا من مرونته ورشاقته.
وقد أضافت المدرسة العثمانية بعض الإضافات النوعية، فظهر الخط الديواني الذي تعود جذوره إلى التوقيع والرقاع والتعليق، وتطور بشكليه العادي والجلي، فوضع أصوله الخطاط محمد منيف في عهد السلطان محمد الثاني، ثم طورها ونشرها الصدر الأعظم شهلا باشا في عهد السلطان أحمد الثالث وجوّدها السلطان مصطفى خان، ثم طورها الخطاط نعيم. وبرع في هذا الخط الخطاط سامي، والحاج أحمد الكامل آخر رئيس للخطاطين في الدولة العثمانية، بالإضافة إلى ممتاز بك الذي وضع في عهد السلطان عبدالمجيد خان قاعدة لخط آخر أضافه العثمانيون، هو خط الرقعة الذي طوره الخطاط محمد عزت أفندي، وهو خط يصلح للاستخدام اليومي وليس للأعمال الفنية. وابتكر الخطاط عارف حكمت خطًا سماه السنبلي، إلا أنه لم ينتشر رغم أنه على درجة لابأس بها من الجمال. وطور الخطاطون العثمانيون تصميم الطغراء التي تعود بداياتها إلى سلاطين المماليك في مصر، واستخدمها السلاطين العثمانيون جميعًا.
كما اهتمت المدرسة العثمانية بتعليم الخط وتنشئة الخطاطين، حتى إن كثيرًا من سلاطينها ووزرائها تعلموه. وقد استفادت هذه المدرسة من التقاليد التي كانت المدرسة المصرية قد أرستها، وأصبح سائدًا نظام منح الشهادة أو الإجازة الذي كان ابن الصايغ قد وضعه. وقد مال الخطاطون، حتى المتميزون منهم، إلى محاكاة خطوط سابقيهم وتقليدها، الأمر الذي يمكن أن يكون أحد أسباب الروح المحافظة التي سادت المدرسة العثمانية بعد المجودين الأعلام.
العربية الحديثة. ظلّت شجرة الخط في البلدان العربية مثمرة رغم الإهمال والظلال التي حجبت عنها النور بعد تركز الأضواء على الآستانة، فاستمر الخط العربي في العراق لينتقل نقلة نوعية تتميز بالقوة والجمال على يد الخطاط الكبير هاشم محمد البغدادي الذي جود جميع أنواع الخط العربي بخصوصية كانت أساسًا لمدرسة العراق الحديثة تجمع ميزات المدرسة العراقية والمدرسة المصرية والمدرسة التركية.
وفي الشام، انتهى الأمر إلى الخطاط مصطفى السباعي الذي كان هو والخطاط التركي يوسف رسا، وتلميذه ممدوح الشريف أساتذة للخطاط بدوي الديراني الذي جود جميع الخطوط بأسلوب متميز جميل، وطبع خط التعليق بطابعه الخاص كما طور طريقة جميلة من الخط الديواني، بالإضافة إلى إجادته للخط الكوفي، مما جعله رأسًا للنهضة الخطية في الشام. أما في مصر، فقد استمر الخط العربي عبر عدد كبير من الخطاطين حتى كان عهد أسرة محمد علي، حيث اتجهت الأضواء مرة أخرى إلى القاهرة، فبرز الخطاط محمد مؤنس الذي أخذ الخط عن والده، وبرع فيه. وكان صاحب الفضل الأول في النهضة الخطية الحديثة في مصر. وقد درّس عددًا كبيرًا من الخطاطين، ووضع كتاب الميزان المألوف في وضع الكلمات والحروف.
ثم كان هناك عدد من الخطاطين الأفذاذ أمثال محمد جعفر ومصطفى الحريري ومحمد الجمل وعدد كبير من الأساتذة الذين درّسوا في مدرسة تحسين الخطوط الملكية التي أنشأها السلطان فؤاد بعد الانقلاب الكمالي الذي عصف بالحروف العربية في تركيا. وكان من أبرزهم الخطاط التركي عبدالعزيز الرفاعي، والخطاط مصطفى غزلان الذي طور الخط الديواني تطويرًا جماليًا كبيرًا، والأستاذ يوسف أحمد الذي أحيا الخط الكوفي من جديد وقام بتدريسه ونشره، والخطاط محمد حسني الدمشقي الذي برع كثيرًا في التراكيب الخطية التي ابتدع فيها أسلوبًا خاصًا اتبُع من بعده. ويضاف إلى هؤلاء عدد كبير من الخطاطين الأعلام أمثال محمد إبراهيم الذي افتتح في الإسكندرية مدرسة خاصة لتعليم الخط، وأحيا بعض أنواع الخط الكوفي، والأستاذ سيد إبراهيم الذي كان من أوائل المدرسين في مدرسة تحسين الخطوط الملكية وأستاذًا لعدد كبير من الخطاطين والأستاذ محمد عبدالقادر، كبير مفتشي مدارس تحسين الخطوط المنتشرة اليوم في أنحاء مصر.
وفي المغرب العربي، حافظ الخط العربي على بعض سمات الخطوط الأولى. وظهرت أولى أساليبه في القيروان كاشتقاق يحمل سمات جمالية خاصة عالية من خط المصاحف الكوفي، عُرف بالخط القيرواني، ثم تطور عنه خط نُسب إلى المهديّة. وتطور في الأندلس نوعان أساسيان، أحدهما تكثر فيه الزوايا سُميّ بالكوفي الأندلسي؛ والآخر تكثر فيه الانحناءات والاستدارات سُمي بالقرطبي أو الأندلسي، استخدم في نسخ المصاحف والكتب وكان لتعليمه تقاليد خاصة في الأندلس والمغرب. وقد ساد هذا النوع في المغرب العربي كله حتى أواخر حكم الموحدين. ثم ظهر الخط الفاسي ثم السوداني أو التمبكتي (نسبة إلى تمبكتو في مالي)، ويمتاز بكبره وغلظه، والتونسي الذي يعد أكثر الخطوط المغربية مرونة، والجزائري وهو حاد الزوايا. ويستخدم الخطاطون في المغرب العربي أقلامًا تختلف عن أقلام المشارقة من حيث بريها وقطتها التي تميل إلى الاستدارة. وفي العقود الأخيرة، شاع استخدام الخطوط العربية المشرقية للاستخدامات الفنية بشكل كبير، وأقبل الخطاطون المغاربة على تعلمها وتجويدها.
وقد ظهرت في البلدان العربية تصاميم فنية لخطوط جديدة، وتم إحياء وتطوير بعض أنواعها الجميلة المهملة، وانتشرت اللوحات الخطيّة ومعارضها. إلا أن الخط العربي لم يعد يلقى العناية والتشجيع اللازمين بما يكفي من الجهات الرسمية، وأصبح يعتمد في بقائه ونموه على الجهود الفردية لفنانيه وعشاقه ومحبيه وبعض المدارس والمراكز التعليمية الفقيرة.