السلاجقة أصلهم أتراك من قبائل الغز، ليس أرض سيستقرون بها وإنما كانوا رحلا أينما وجدوا الكلأ والأمن فاستقروا،وجدﱡ السلاجقة هو سلجوق بن دقاق أو تقاق، ودقاق بالتركية تعني״القوس من حديد״،ورحل سلجوق من قبيلته إلى ديار الإسلام وأقام في ضواحي بخارى وبالضبط في نور بخارى،وله أربع أبناء هم إسرائيل،ميكائيل، موسى( بيغو) ويونس،لما توفي سلجوق خلفه أبناءه الذين أصبح لهم شأن كبير،أصبح يحسب لهم ألف حساب ولعبوا دورا كبيرا في صراع خانات تركستان، وقبلها ساعدوا السامانيين في الكثير من الأوقات كانوا يستقرون في منطقة تدعى نور بخارى، وفي الشتاء يذهبون إلى صغد سمرقند.
وعندما إتجه السلطان يمين الدولة إلى بخارى عام 416?/1025م ليعقد حلفا مع قدر خان ابن أخ أيلك خان ضد أخيه علي تكين، وفي طريقه التقى بجماعات للسلاجقة، من المحتمل أن محمودا تخوف من حلف بين السلاجقة وعلي تكين، قرّر توطين السلاجقة في خراسان بإمكانهم حسب ظنّه، الوقوف كحرس مدافعين على حدود الدولة.
لم يقبل ميكائيل طلب السلطان، فغضب منه كثيرا، فأمر بالقبض عليه وعلى جماعة من أعيان قومه وسجنهم، أما من بقي من قومه نقلهم مجبورين إلى خراسان ولم يبقهم في منطقة واحدة بل أسكنهم في أجزاء مناطق مختلفة في خراسان.
أدرك أرسلان جاذب خطر السلاجقة، فأظهر ذلك للسلطان، وقال أنهم سيكونون خطر على الدولة نظرا لما يتمتعون به من مهارة قتالية خاصة وأنهم يحسنون إستعمال القوس والسهم لدرجة مذهلة، فاقترح عليه قطع إبهام كل فرد منهم، كي لا يستعملوا الأقواس لكن محمود رفض هذا الأمر.
وكان محمود يدرك في أعماق قلبه مدى خطرهم لأن قدرخان" أخبره أنهم سيكونون خطرا عليك في أية لحظة خاصة وأنك تخرج إلى بلاد الهند كثيرا، فلربما طمعوا في بلادك ويستغلون غيابك ،فمن الواجب أن تطلب المعونة منهم.
فأرسل إليهم رسولا عذب اللسان أبدى لهم إعجابه الشديد بهم، وطلب منهم المعونة وأبدى السلاجقة استعدادهم لذلك، واختاروا أن يسير إليه إسرائيل وكان المقدم المحترم بينهم وكان بصحبته جيش كبير، ولمّا علم محمود بذلك، أرسل إليهم مسرعا وأخبره أنه ليس بحاجة إلى الجيش الآن، بل عليه أن يأتي هو فقط مع خواصه وأعيانه، فعمل إسرائيل بموجب هذه الرسالة وسار إلى محمود مع عدد محدود من جيشه.
ولما وصل إليه السلطان أحسن استقباله حتى بالغ، وأكرمه، وأثناء حديثهما كان إسرائيل يصف لمحمود ماله من جيوش بارعة في القتال وأموال كثيرة مما ادخل الشك في محمود الذي ظنﱠانه يهدده به ما إن حاول التطور عليهم، واستعمل محمود حيلته وقال:« إنني بحاجة إلى جيوش ومساعدة منكم في خراسان إن ذهبت إلى الهند، فكيف تقدمون لي المساعدة، فبأي مقدار يصلنا المدد ...وما مقدار عدده ... ».
فأخذ إسرائيل سهما وأعطاه لمحمود وقال :«أرسل السهم إلى جندنا إذا عرضت لك حاجة إلينا يأتك منا مئة ألف فارس ...».
وقال له محمود :« وإذا لم يكف ....؟» فتناول إسرائيل سهما آخر وقدمه لمحمود :«أرسِل هذا السهم إلى جبل بلخان يأتيك على الفور خمسون ألف فارس غيرهم ....».
قال محمود: فإذا لم يكف هذا العدد ماذا نصنع؟، عند ذلك ناوله إسرائيل قوسه وقال:«أرسل هذه أمارة إلى تركستان يأتك إذا شئت مائة ألف فارس».
وأمر محمود أمراء جيشه أن يستضيف كل واحد في معسكره واحدا من أمراء فرسان إسرائيل وأن يسقيه شرابا قويا، حتى يثملوا وفعل هو بالمثل مع إسرائيل، وحمله أثناء الليل إلى بلاد الهند وحبسه في قلعة كالنجر، وأما أصحابه فأرسلهم إلى قلاع أخرى.
وقد سمح يمين الدولة لأسر سلجوقية من قبائل الغز أن تعبر نهر جيحون وتستوطن في نسا وأبيورد، وشرط عليهم ألا يحملوا أي سلاح مهما كان نوعه ولم يسمع لنصيحة أرسلان الجاذب.
وفي سنة 418 ?/1027م جاء أهالي نسا وأبيورد إلى محمود وشكوا له المشاكل التي يتسبب فيها التركمان، فأرسل إلى أمير طوس أرسلان الجاذب أن يحاربهم، فسار إليهم وأغار عليهم لكنه انهزم أمامهم، فأرسل إلى محمود يطلب المدد، فخرج إليهم يمين الدولة بنفسه عام 419 ?/1028م وغلبهم، وأعدم الكثير منهم، ومن بقي منهم فرّ إلى جبال بلخان، ودهستان وبعضهم قصد كرمان واستقبلهم حاكمها قوام الدولة أبو الفوارس، ووعدهم بمساعدتهم لكنه توفي قبل أن يوفي بوعده، فتوجهوا إلى أصفهان فمنحهم حاكمها علاء الدّين أبو جعفر بن كاكوية الأمل.
لكن السلطان محمود أمره أن يتخلص منهم، فدعاهم إلى وليمة أقامها على شرفهم لكي يوقع بهم، لكن أحد العبيد الأتراك أخبرهم بالحيلة الموجهة ضدهم، فلاذوا بالفرار وحاول رجال علاء الدولة تعقبهم، لكنهم فشلوا في اللحاق بهم، واتجهوا نحو أذربيجان والى جبال بلخان.
لكن السلطان لم يسلم من هجوماتهم فكل مرة كانوا يهاجمون بعض الولايات الغزنوية فأمر أرسلان الجاذب بمطاردتهم، لكنهم أتعبوه، فخرج السلطان وطاردهم بنفسه في نيسابور ودهستان وجرجان حتى أخرجهم بالكامل من خراسان، ولكن هذا النصر الذي حققه محمود كان مؤقتا، إذ بعد وفاته أصبح السلاجقة سادة خراسان.